لا دعم بعد اليوم: من يستحق البطاقة التموينية في لبنان؟
النشرة الدولية –
عزة الحاج حسن
من كان يتخيل لوقت قريب، أن يصل حال اللبنانيين إلى أن يصيروا “شعباً يعيش على بطاقة تموينية”؟ من كان يتخيل أن اللبنانيين، الذين ظلوا حتى في سنوات الحروب محافظين على مستوى عيش لائق، سيحتاجون إلى “إعاشة”؟
سنوات من سوء الإدارة، وخيانة الأمانة، أوصلت الوضع المالي والمصرفي إلى الكارثة، أهدروا مليارات الدولارات في زواريب الفساد والهدر والتهريب والمحاصصة. وعندما جفت عروق الاقتصاد، وشحّت السيولة، تمادوا على لقمة عيش اللبنانيين.. استفاقوا اليوم على ضرورة خفض الدعم أو إلغائه كلياً عن المواد الاستهلاكية الأساسية، غير آبهين بحال العوز التي وصلت إليها الغالبية الساحقة من اللبنانيين.
فمنذ سنوات والمؤسسات الدولية تنصح وتدعو إلى رفع الدعم، أو خفضه تدريجياً، لكن السلطة لم تحرك ساكناً، ولا حتى مصرف لبنان، وهو العالِم بخفايا الاحتياطات المالية. مرّ عام على اشتداد الأزمة وبدء الانهيار الاقتصادي، ولم تحاول الوزارات المعنية وضع دراسة دقيقة تعنى بتوجيه الدعم إلى محتاجيه، أو إجراء مسح للعائلات اللبنانية الأكثر حاجة للدعم. لم يخرج المعنيون طيلة الفترة السابقة من دائرة الدعم غير الموجّه، والذي أثبت أكثر من مرة عدم جدواه في ظل الإحتكارات والتهريب. أما اليوم، وبعد بلوغ حجم الاحتياطات المالية لدى مصرف لبنان مرحلة الخطر، فقد عزم الأخير على وقف الدعم كلياً، وإصدار بطاقات تموينية توزّع على الأسر المحتاجة، كبديل للدعم المباشر. فما مدى صحة الطرح؟ وهل سيُكتب له النجاح؟
البطاقة بعد تشكيل الحكومة
حسم مصرف لبنان قراره برفع الدعم عن المواد الأساسية، أبلغه إلى المسؤولين، اقترح البطاقة التموينية بديلاً عن الدعم، وباشر البحث عن آلية تضمن وصول البطاقة والمنتجات المدعومة إلى مستحقيها. لكنه لن يبادر إلى إقرارها -وفق مصادر مصرف لبنان لـ”المدن”- ولن يأخذها على عاتقه. فالمركزي وفق المصدر اقترح البطاقة لكنه وضعها في ملعب الحكومة المقبلة، التي عليها اتخاذ القرار بشأن تأمين بديل عن الدعم، وتغطيته سياسياً ومالياً.
وفيما لو سارت الحكومة المقبلة باقتراح حاكم مصرف لبنان، أي إصدار بطاقة تموينية مدعومة لـ”مستحقيها”، فلا بد حينها من تحديد “مَن هم مستحقوها”. ومن سيحدّد مستحقيها؟ وهل من قاعدة بيانات أو داتا واضحة لدى أي من وزارات الدولة ومؤسساتها، تبيّن حال السكان؟ بالطبع لا. إذاً، مهما كان شكل البطاقة وآلية الدعم فإنها ستلحق من دون شك بسابقاتها من الحلول وسيكون مصيرها الفشل. وهو ما يتخوّف منه رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، الذي سبق له أن بحث مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في بدائل الدعم، وترتبط مخاوف الأسمر بأن طرح البطاقة التموينية أمامه العديد من التحديات والعقبات.
عقبات في مواجهة البطاقة
الثابت الوحيد هو اتخاذ القرار النهائي بوقف الدعم، واستحداث بطاقات تموينية مخصّصة للأسر المحتاجة. تتيح لحامليها الحصول على المواد الاستهلاكية الأساسية، على سعر صرف منخفض. ولا يزال الحديث عن البطاقة مجرد اقتراحات. فلم يُقرّر مثلاً ما إذا كان وفق 1515 ليرة للدولار أو وفق سعر المنصة الإلكترونية 3900 ليرة للدولار. وهنا تبرز أولى التحديات. ففي حال تم اعتماد البطاقات التموينية وفق سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة فبذلك تتضاعف أسعار الخبز والدواء والمحروقات ولذلك انعكاسات كارثية على الفقراء وعموم المواطنين. أما في حال اعتماد السعر الرسمي لمصرف لبنان 1515 ليرة، فذلك سيكرّس استمرار تعدّد أسعار الصرف. وهو ما يخالف طلب صندوق النقد الدولي بتوحيد الأسعار.
التحدي الثاني والأساسي هو ماهية الأسر المحتاجة. وما هو مفهوم “الحاجة” هنا؟ فالأسر المحتاجة ستزيد أضعاف ما هي عليه اليوم، بعد رفع الدعم. خصوصاً أن مئات الآلاف من الموظفين والعمال يتقاضون رواتب متدنية ومتوسطة وبالليرة اللبنانية. وإذا كان راتب الجندي اللبناني على سبيل المثال أو أستاذ التعليم الرسمي لا يكفي اليوم في ظل الدعم، لتأمين معيشة أسرة من 4 أفراد على مدى 15 يوماً من الشهر، فكيف به يؤمن ذلك بعد رفع الدعم ومضاعفة الأسعار الاستهلاكية؟ الأسر المحتاجة لن تقتصر على الفقراء والعاطلين عن العمل إنما ستشمل الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني. فهل لدى مصرف لبنان القدرة على تأمين البطاقة التموينية لشرائح واسعة من المواطنين؟
من هم المحتاجون
أما في ما خص العائلات الفقيرة فحدّث ولا حرج. فالأرقام المعتمدة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والدولة لا تتجاوز 250 ألف عائلة فقيرة فقط، بين مستفيدين من برنامج الأسر الأكثر فقراً “حلّا”، وحاصلين على مساعدة مالية شهرية من الدولة بقيمة 400 ألف ليرة. ما يعني أن تعداد الفقراء بنظر الدولة اليوم هو 250 ألف عائلة، في حين أن البنك الدولي والإسكوا قدّرت الفقراء في لبنان بأضعاف تلك الأرقام.
فحسب أرقام الإسكوا، قبل تطور انتشار فيروس كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، وتفاقم آثار كل من هما على الاقتصاد اللبناني ومعيشة السكان، كان من المتوقع بلوغ عدد الفقراء في لبنان عام 2020 نحو 55 في المئة من اللبنانيين، وارتفاع نسب الفقر المدقع نحو ثلاثة أضعاف ما كان عليه العام الفائت. بمعنى أن من المتوقع أن تكون أعداد الفقراء حالياً قد فاقت المليوني نسمة. فكيف يمكن أن تُصاغ أي آلية للبطاقة التموينية، في ظل غياب تام لبيانات السكان أو مسح شامل للأسر والأفراد العاجزين عن تأمين غذائهم اليومي؟
نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني