وداعا رياض الريس* تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

الصحفيون العرب الذين عملوا في منطقة الخليج يعتبرونه قدوة لهم، فكتابات الصحفي رياض نجيب الريس سوري الأصل، ولبناني المنبت، عن منطقة الخليج فيها طعم الريادة، وفيها كم من التنوع والحيوية التي نفتقدها في كتابات أخرى عن المنطقة، خاصة تلك التي أخذت طابعا تاريخيا وأكاديميا، أو كانت أقرب لانطباعات ومشاهدات تفتقر لدقة المعلومة وتتسم بضعف الصياغة.

جاء رياض الريس لمنطقة الخليج قبل أن ترحل بريطانيا عن المنطقة، كانت أعلنت نيتها الانسحاب من شرق السويس، في اعتراف أكد ما كان يشعر به الجميع وهو أن شمس الإمبراطورية العجوز إلى أفول.

كان ضجيج الحديث عن النفط، أوضح من صدى ضجيج معدات الحفر والتنقيب التي بدأت تتدفق على المنطقة، بعد تواتر التقارير عن نتائج مبشرة لعمليات الاستكشاف والتنقيب .

كان المشهد السياسي في طور التشكل، من قوى تقليدية تمتلك شرعية التاريخ، وقوى طامعة تمتلك مفاتيح القوة.

لخص رياض نجيب الريس كل ذلك بجملة واحدة هي ”صراع الواحات والنفط“ التي كانت عنوان سلسلة التقارير الصحفية التي كتبها عن تلك المرحلة من تاريخ المنطقة، والتي تحولت فيما بعد إلى كتاب بات مرجعا لكل الصحفيين العرب الذين عايشوا تلك الفترة، أو جاؤوا لاحقا بعد أن أصبحت المنطقة قبلة تشد إليها الرحال من كل فج عميق.

كانت هناك دول وممالك في طور التشكل، كانت خلافات الحدود بين المشيخات والإمارات الصغيرة التي تنتشر على ساحل الخليج العربي، فتحت شهية الطامعين من داخل الإقليم وخارجه، كان رصد ومتابعة ما يحدث عملية بالغة الصعوبة لاعتمادها على الاستقصاء الميداني والمعايشة اليومية لشخصيات وحوادث، في ظروف بالغة الدقة والصعوبة.

ورغم تعدد الذين كتبوا عن منطقة الخليج، فيما بعد، فإن كتب رياض نجيب الريس في هذا المجال ظلت ذات مكانة خاصة حتى بين الباحثين الذين جعلوا من المنطقة موضوعا لتخصصهم، وأساسا لاهتماماتهم.

عرفت رياض نجيب الريس، شخصيا، حين كان نجما من نجوم الصحافة العربية، لكنه بخلاف كثيرين أقل خبرة، وموهبة وتجربة، تعامل معي ومن هم في جيلي تعامل الزملاء الأنداد الذين يعملون في مهنة واحدة، كانت لديه قائمة لا تفارقه بكل من عرفهم في دول الخليج، يحفظ أرقامهم وأسماءهم ومناصبهم، وكأنه يعيش بين ظهرانيهم، ومنذ عرفته كان في كل مرة يأتي فيها إلى أبوظبي، يتصل للإعلان عن وصوله، وكنت أستغرب قدرته على التواصل مع هذا العدد الكبير من محبيه ومعارفه، وكان أكثر ما يلفتني ذاكرته التي لا تحفظ الأحداث والنوادر فقط، بل دقته في حفظ التواريخ والأسماء.

الشهرة الواسعة التي حققها رياض الريس كمتخصص في الشأن الخليجي، ظلت شهرة مهنية، لم يوظفها أو يتكسب منها كما فعل كثيرون أقل تجربة وموهبة منه، وأقل حضورا منه، في تاريخ مهنة ورثها عن والده الصحفي المرموق نجيب الريس الذي كان يصدر من دمشق جريدة القبس قبل أن يتم إيقافها بعد صدور قرارات التأميم والتكميم.

رغم الإغراء حينا، والضغط حينا آخر ظلت المهنة أولوية رياض نجيب الريس، كان يحس بوطأة الأمانة التي ورثها عن والده، لكن الصحف التي عمل فيها لم تتحمل مشاكساته، فصار ثمنا لتسويات بين أصحاب تلك الصحف والداعمين لها.

في رحلة الهروب من الإغراء والضغط نجح رياض الريس في فرض نفسه على الثقافة العربية كفارس من فرسانها حين استطاع بحسه الأدبي الراقي وثقافته الواسعة أن يكسب احترام المثقفين وثقتهم، فأصبحوا يتسابقون على نشر إنتاجهم في دار النشر التي حملت اسمه والتي كانت الملاذ الذي لجأ إليه في رحلة الانعتاق من التكميم.

رياض الريس ظل يحلم حتى وهو على أعتاب الثمانين بإعادة إصدار جريدة القبس التي ورثها عن أبيه، في وقت واحد، من دمشق حيث عاش الوالد قبل المنفى، وفي بيروت، حيث يعيش الابن منفيا لا يستطيع الوصول إلى مسقط رأسه الذي ظل يبتعد عاما بعد عام، وبات الوصول إليه اليوم حتى في كفن حلما صعب المنال.

زر الذهاب إلى الأعلى