إعتذار أديب نكسة كبيرة للبنان.. ماذا بعد؟* نوال الأشقر
النشرة الدولية –
فعلها الرئيس المكلّف مصطفى أديب، ورمى الكرة في وجه المعطّلين القابضين على أرواح اللبنانيين. لم يعتاد هؤلاء التعامل مع شخصية مماثلة، الرجل لا يريد لقب رئيس حكومة لبنان بأيّ ثمن، لذلك قبل بمهمّة محدّدة، جوهرها تأليف حكومة مستقلّين اختصاصيين حقيقيين،وليس مقنّعين، كالوزراء الحاليين، حكومة قادرة على وضع لبنان على سكّة الإنقاذ. وعندما تبيّن له أنّ هؤلاء عندما خرجوا من اجتماعه معهم خلال الإستشارات النيابية غير الملزمة، وراحوا يتشدّقون بأنّهم لا يشترطون أيّ مطلب ولا يريدون شيئّا، كانوا يناورون، وهم وفي ذلك بارعون، رمى كتاب الإعتذار في وجههم جميعًا، وكسب ثقة اللبنانيين لأنّه رفض أن يخدعهم، ولو قام سلفه الرئيس حسان دياب بالمثل، لكان وفّر على لبنان مزيدًا من الإنهيار والفرص الضائعة.
العارفون بأديب يدركون أنّ الرجل أرجأ اعتذاره أكثر من مرّة، عندما إنقلبت الكتل النيابية على زهدها، وانفتحت شهيتها على التوزير، في محاولة منها لاستنساخ حكومة دياب. كان ذلك قبل مبادرة الرئيس سعد الحريري، وفي ظل تمسّك الثنائي الشيعي بـ “ميثاقية التوقيع الثالث” من بوابة وزارة المالية، كان الجميع بجو أنّ الإعتذار أصبح شبه حتمي قبل عشرة أيام. ولكن فرنسا، وبعض المسؤولين اللبنانيين، أرادوا التريث للعمل على مسعى توافقي، ينقذ المبادرة الفرنسية من الفشل، وينقذ معها لبنان،
فاستجاب أديب. في هذا الوقت طار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى باريس، والتقى هناك إيمانويل بون مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وطرح وساطة، مبقيًا خطوط الإتصال مفتوحه مع صديقه الرئيس نبيه بري، وكذلك مع بيت الوسط، كما تقول مصادره. حاول جنبلاط أن يحبط محاولات إرجاء تأليف الحكومة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، وأن يفضح على طريقته تخريب مبادرة ماكرون من قبل أطراف محلية وإقليمية ودولية، فأعلن في إطلالة تلفزيونية أنّ إيران والولايات المتحدة لا تريدان حكومة في لبنان، وأنّ هناك ضغطًا يتعرّض له بري بشأن وزارة المالية. دخلت فرنسا على خط الإتصالات بشكل مباشر، فأثمر ذلك مبادرة من قبل الحريري، الذي أخذها على عاتقه من دون موافقة رؤساء الحكومات السابقين، موصّفا إياها بكأس السمّ، البعض إعتقد أنّ الحكومة ستولد بعد ساعات على مبادرة الحريري، ولكنّ العراقيل بقيت تُستنبط مع كلّ إشراقة شمس.
بدت حقيبة المال أمّ العقد، ولكن هذا لا يلغي أنّ عقدًا أخرى لا تقل فعالية تعطيلية، كانت لتظهر بعد حلّ عقدة المالية، في طليعتها مطالبة التيار الوطني الحر بالمعاملة بالمثل، والتمسّك بحقائب، أبرزها الخارجية، خصوصًا أنّ مبدأ المداورة يكون قد سقط، وهنا لا يمكن إغفال النصائح التي هبطت على أديب بوجوب التشاور مع الكتل، لاسيّما مع جبران باسيل رئيس أكبر تكتل نيابي. حجم الحكومة بدوره كان ليشكّل عقدة، فالبعض كان
يبحث في حجم الحكومة، وحسابات الثلث المعطل لم تغب عن باله. اجتمع أديب مع الخليلين ولم يكن اللقاء الأخير معهما إيجابيًا، هما أعادا البحث في عديد الوزراء، وتمسّكا بتسمية وزراء الثنائي، وبالآلية نفسها لتأليف الحكومات، فكان من أديب أن أدرك أنّ الأمور وصلت إلى حائط مسدود، وأنّ ولادة حكومة الإنقاذ أُجهضت، فكان الإعتذار من بعبدا.
مع إعتذار أديب وصل البلد إلى منعطف مثلث الخطورة، على صعدٍ سياسية إقتصادية ومعيشية. أولى مؤشراتها الإقتصادية تمثّلت في قفزة الدولار في السوق السوداء على الفور بعد إعتذار أديب. في الشقّ السياسي بدت الأزمة السياسية مرشّحة للمزيد من التصعيد، ستنعكس حتمًا على مرحلة التكليف الثاني، التي قد تشهد استنساخ بدعة المهل المفتوحة، أمّا معيشيًا فحال البلاد والعباد تتحدث عن نفسها، آخر فصولها قوارب الموت وفقدان أدوية من الصيدليات واتساع دائرة الفقر. مشهدية وصّفتها فرنسا بعبارة واحدة “خيانة جماعية”.
عن موقع “لبنان 24”