خمرٌ من خوابي النقد* يوسف طراد

النشرة الدولية –

اِفترش النقد السطور بحبور على عشب براءة الكلمات وافتتن بسحر الزجل عاشقًا بعيدًا عن قيود المعاني، عبرت كلماته نسائم زاهدة من نقد شعرٍ حاملًا حلمًا ناعسًا مستفيقًا في دراسة نقدية بعنوان (صورة المرأة في شعر ميشال طراد) للكاتب طوني نبيل طراد التي طُبعت في مؤسّسة دكّاش للطباعة.

دراسة نقدية هي أساسًا رسالة ماجستير نال كاتبها علامة 325/400 ونوقشت أمام لجنة دكاترة في الجامعة اللبنانية. الإهداء سريالي إلى زقزقة الطيور وعطر الرياحين بعده مقدّمة تحدّد مسَوْغ الدراسة وأسباب اختيار الموضوع. الكتاب قسمين: الأوّل (جلنار/الحبيبة الدهرية) والثاني (حلوليَّة المرأة في حياة ميشال طراد.)

(التشوقية) أول مقطع من الفصل الأول (المرأة الحبيبة) من القسم الأول مسَّطر بشوق عَبْر جسر التلاقي بين الشاعر والناقد ذالك الشاعر الذي “تجاوز الزمن بواسطة الخيال، وكان من الذين يحلمون بالتخطِّي والاجتياز” تلاقى خياله مع نقد طوني طراد في جماليات مدونة أيقظت المعاني الغافية وسط السطور فلم تُتْرَك فريسة غبار المكتبات.

(اللقاء في أحضان الطبيعة) المقطع الثاني من الفصل الأول العائد للقسم الأول، كلمات نقدية من هاجس الشاعر ميشال طراد تدعو إلى “بعث الحبّ والسُّكر فيه”، فكما إرتوى الناقد من سُّكر الفواكه البعلية في قريته الجبلية هكذا إنتشى من سُّكر المنقود المُذاب في المعاني والقوافي والقفلات فكان أن عاش الإثنان معًا في طبيعةٍ واحدةٍ لكن بزمنين مختلفين.

(مؤشّرات الحبّ الجسدي في الطبيعة) المقطع الثالث والأخير للفصل الأول من القسم الأول. ناقد لم يتأرجح كلامه طيرانًا في الهواء بين عصف الريح لأنه أنشد الإنعتاق نحو روح الشعر صوابًا، عناقًا ومدى، روح شعرٍ إنصبَّت على عذرية جسد المحبوبة غنجًا في الطبيعة “فهي لا تزال تعيش في عالم البكارة، وهذا نوع من الانتصار، فيه شيطنة وبراءة طفوليًّة تستأهل أن يُرشّ الورد فوقهما لأن “الورود تعطير الوقت بالسعادة”.

(علاقة الشاعر بالسمراء) المقطع الأول من الفصل الثاني من القسم الأول (المرأة الحبيبة/الجسد)، الشاعر وحبيبته السمراء كانا متَّحدين منذ الأزل بالخيال وليس على أرض الواقع “فجلنار كانت بيضاء، وزوجته أيضًا”، سيظل الشاعر والسمراء حالمان ما لم يلتقيا، فالحلم الملموس قاسٍ وسط طبيعة يتحدث كل شيء فيها عن الشوق “لقد نصحته هذه السمراء بعدم الغوص في جمالات جسدها”.

(مذهب الشاعر في الحياة)، المقطع الثاني من الفصل الثاني للقسم الأول، عندما تغوص في نقد القصائد تتأكد من انهزام الأقدار، الأحزان، الأوغاد، والمسافات بسبب الحب. “لقد رفض الجنَّة المبنيَّة على صون العفَّة والرضوخ لتقاليد المجتمع”.

(تأثير غياب الحبيبة على الشاعر والطبيعة) عنوان المقطع ما قبل الأخير للفصل الثالث من القسم الأول، خلال انفلاش الحزن بين السطور تذوب الأمنيات تحت شمس الغياب ولا ينصهر الحلم الزاهد بخجل الأزمنة التي تسكن الضلوع، “لقد تلاشى بريق السعادة، فأصبح يمقت ملذّات الدنيا في غيابها”.

ختام القسم الأول مقطع بعنوان (حقيقة جلنار في حياته)، رتَّب الشاعر عواطفه في خزانة القلب فكان ترتيب أولوياته لحبيبته جلنار فقد زاد شعره من تألقها لتليق بآلهة للجمال حيال معشوقها، “أخذ يبثّ ذكرياتهما في كلّ ديوان يطبعه ووصل به الأمر إلى ابتداع حياة جديدة لجلناره”.

(حلولية المرأة في حياته وفي الطبيعة) عنوان القسم الثاني الذي تضمّن: (المرأة/ الأم)، (المرأة/ الإبنة) و(المرأة إبّان الحرب)، عَدَد القصائد التي نظمها الشاعر لوالدته لم تتعدَ أصابع اليد الواحدة وكانت تعكس واقعه العاطفي المتحول للأمومة بعد موت والده المبكر. أمّا قصائده للمرأة الإبنة فقد ضمّنها الطفواة البريئة ومحاولة التغيير عند الصبية، في المرأة إبّان الحرب كتب الناقد: “لقد صور المرأة بصورة المأساة، فهو معها عندما تعاني”. في جميع هذه المراحل كان النقد فائضًا يروي ظمأ المشتهى، نقد ترجم شغف الناقد لشعر الشاعر فلا كلمات حائرة ولا عبث بالوقت الرمادي بل عناق بين حبر الكاتب ومعاني الشعر الجميل.

من ستة مصادر وخمسة وثلاثين مرجعًا ومستندات أخرى من معاجم، جرائد، مجلّات، برامج تلفزيونية، ومقابلات خاصة استسقى طوني طراد خمرًا ممتازًا فكان روعة النقد خلال سكرة ووعي الفكر، وكرَّت السبحة بعد هذه الدراسة النقدية فكانت له مؤلفات عديدة : دموع المراية، في ذاكرة النضال، تنظيم فتح الإسلام مشروع هُزم في لبنان، موسوعة الوطنيين الأحرار، ميشال طراد عصفور من لبنان، وأخيرًا وليس آخرًا مالك طوق أرزة الشعر اللبناني. فتدفق الإنتاج النقدي، الأدبي، والسياسي للكاتب في نهر صافيٍ ينشد الانعتاق نحو بحر الفكر.

تذوق الناقد مفاتن الشعر لدى الشاعر الزحلاوي فخشع مع زنابق المعنى وسحر الوصف أمام زهوِ جلنار الأسطورة فكان كلامه خلابًا من خلال نقدٍ فعَّالًا كوعد الشمس في إنبات الحنطة فكانت (صورة المرأة في شعر ميشال طراد) دراسة نقدية كمحارة أدركت الأزمنة وخرجت من عزلتها لتكون ضمن عقد في عنق الجمال.

* الخواطر بين مزدوجين هي للكاتب الناقد والمفردات بين هلالين هي عناوين مقاطع للكتاب.

يوسف طراد

الجمعة 30 آب 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button