يا بنوك.. «حطّي» قرضاً تحت بند «المخالفات المرورية»!* أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

اقتراح بقانون المرور الذي طالعتنا به وسائل الإعلام مشكورة مؤخراً، كان صادماً، لي ولكثيرين مثلي، بكل ما كان يحمله من غرامات مالية مضخمة للغاية، حتى يجعلنا نتساءل، ساخرين بالطبع: هل وزارة الداخلية تريد تعويض ما فقدته من مال عام إثر قضايا الفساد، مثل ضيافة الداخلية عبر تحصيل غرامات مبالغ فيها؟!

 

وإن كان هذا السؤال افتراضاً، فإن الغرامات التي وضعها القانون تثير مئات علامات الاستفهام؛ فلماذا تضخيم الغرامات الكبيرة أصلاً؟ وهل استنفدت الحكومة كل سبل مسّ جيب المواطن، حتى بلغ الأمر بها إلى المخالفات المرورية؟ وهي الحكومة ذاتها، وإن تغيّرت الأسماء، التي مرة توعدنا بأن جيب المواطن لن يُمس، وأخرى تقول «الموس على كل روس»!

 

وشأني شأن كثير من النخبة المطلعة والقارئة للأوضاع العامة، نعتقد أن هذه الغرامات لن تضبط السرعة والحوادث وحصد الأرواح في البلاد، بل قد تزيد الطين بلة، فكلنا نعرف، وفي مجتمع صغير كمجتمعنا، أن عدد المخالفات الملغاة بفعل الواسطة «عد وخربط»، فالمخالف المسنود لن يلتزم، طالما يعلم أن هذه المخالفات لن تحصل، ولكن «راح ياكلها» المواطن البسيط، ويتحمّل نفقات جديدة على عاتقه!

 

ولو كان الهدف بالفعل، ضبط السرعة وخفض الحوادث والمخالفات، فالطريق الأول لذلك، هو تطبيق القانون الحالي بمسطرة واحدة، على الجميع، وإلغاء الواسطة، الذي ظل لسنوات يتلاعب بملفات المخالفات المرورية، لعيون نواب ومتنفذين وحتى مواطنين عاديين لهم أقارب في المرور، على سبيل المثال؛ فمفتاح ضبط المخالفات ليس رفع سقفها إلى حد جنوني، بل مفتاحها بتطبيق القانون، فمتى ما شعر المواطن بأن لا استثناءات بفعل وسطائه فلن يخالف.

 

إلا أن قانون المرور الجديد يجرنا للحديث عن أمر آخر؛ فالحكومة التي خرجت لنا بهذا الاقتراح الفذّ في آخر أيامها، هي ذاتها التي تشرف على شوارع، وكأنها حلبة لعبة إلكترونية، بسبب تغيير حدود السرعة بها، فبذات الشارع وفجأة بلا سابق إنذار قد يتحول سقف السرعة من ٨٠ إلى ١٢٠ كيلو مترا في الساعة، فطبيعي أن يخالف السائق، أم مثلا بعض الشوارع تفاجئ السائق بتحوّل حارة اليسار إلى حارة أمان، هذا فضلاً عن عدم توافر مواقف كافية في أماكن مزدحمة، مثل الجامعة أو وسائل نقل جماعي مريحة، فهل يعقل أن تتم مخالفة طالب جامعي يخشى أن يتأخر على محاضرته، بسبب زحمة الشوارع، وعدم وجود مواقف، فيضطر إلى ركن سيارته بمكان مخالف، ثم تلتهم المخالفات الجزء الأعظم من مكافأته الاجتماعية؟! فهي ذات الحكومة التي لم توفر له مواقف سيارات، تخالفه على تقصيرها!

 

إنه قانون معيب، ويبدو لي أن الحكومة لم تكن موفقة بمن خطط لها سبل خفض المخالفات، فالقانون ليس عقاباً للمواطن، بل هو يأتي لتنظيم حياتنا، ويكون رادعاً للمخالفة والجريمة، والردع ليس بتغليظ العقوبة بهذه الصورة، بل بزرع الثقة لدى المواطنين والمقيمين بأن القانون سيطبّق على الجميع، بلا واسطات ولا استثناءات.

 

وتكفون، غيّروا رأيكم، بهذا القانون، وإلا فإني أخاطب البنوك بالبدء بفتح باب التقديم لقروض مخصصة لدفع المخالفات المرورية، لأن المعاش ما عاد يكفي.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى