الرئيس الفرنسي إيمانويل: يوبّخ القوى السياسية اللبنانية ويصف حزب الله بالميليشيا غير المسؤولة
النشرة الدولية –
شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما غير مسبوق على المسؤولين اللبنانيين، مؤكدا أنهم خانوا عهودهم بعد يوم من اعتذار مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة بسبب تعنت الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل.
وحمّل الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي عقد في باريس الأطراف اللبنانية كامل المسؤولية عن فشل تشكيل الحكومة، قائلا “أنا لا أرى حلّا أفضل من استعادة مبادرة حكومة المهمّة التي أطلقناها في قصر الصنوبر، وأنا لا يمكن أن ألعب دور رئيس الجمهورية أو أي مسؤول لبناني”.
وهاجم القادة اللبنانيين بمن فيهم الرئيس ميشال عون ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري وحزب الله المدعوم من إيران، مما يعكس حجم المراهنة الفرنسية على العودة إلى المنطقة من بوابة الأزمة اللبنانية.
وحمّل الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل مسؤولية فشل تشكيل الحكومة قائلا “حركة أمل وحزب الله قررا ألا يتغير شيء في لبنان.. لم يقوما بأي تنازل.. لم يحترما ما تعهدا به من إصلاحات.. بالنسبة إلى حزب الله لا يمكن أن يكون جيشا وميليشيا تشارك في حرب داخل سوريا ويكون محترما في لبنان وعليه احترام اللبنانيين جميعا‘‘.
وأوضح أن “ما حصل من قبل الطرف الشيعي ساهم في إفشال المبادرة الفرنسية بشكل واضح وسأتحادث مع إيران لنعرف كيف نتقدم”. وقال “حان الوقت لحزب الله أن يوضح اللعبة فلا يمكنه أن يُرهب الآخرين بقوة السلاح ويدّعي أنّه طرف سياسي”.
واعتبر أن سعد الحريري أخطأ عندما طرح مبادرته بأن يكون وزير المال شيعيا، كذلك أخطأ ميشال عون بطرحه المتعلق بفرض شروط معينة لتشكيل الحكومة. وأكد أن “المبادرة الفرنسية ستبقى فهي الخيار الوحيد.. لكن ما حدث في الأيام الماضية أن القادة السياسيين في لبنان لم يحترموا تعهداتهم حيال فرنسا”.
وتعهد الرئيس الفرنسي بالذهاب الى خيار سلوك آخر من الآن حتى ستة أسابيع إذا لم يحصل أي تقدم في لبنان، في تهديد غير مسبوق للأحزاب السياسية اللبنانية. وقال موبخا القادة السياسيين “إنني أشعر بالعار مكانكم، لقد خنتم العهد”.
وتأتي هذه الاتهامات الفرنسية لحزب الله وحركة أمل بتعطيل المشاورات الحكومية غداة نشر قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) لآليات عسكرية في العاصمة بيروت، وهو ما يعكس رغبة دولية في وضع مرفأ بيروت تحت مراقبة دولية على الأمد الطويل.
وقالت اليونيفيل في بيان لها إنه بناء ’’على طلب من قيادة الجيش اللبناني، نشرت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (…) مفرزة تضم قوة متعددة الجنسيات في بيروت، لمساعدة السلطات الأمنية اللبنانية في جهودها الآيلة للتعامل مع تداعيات الانفجارات المأساوية التي وقعت في 4 أغسطس داخل مرفأ بيروت‘‘.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد حذر الأحد من المساس بالدستور، في إشارة صريحة إلى رفضه اقتسام المناصب الحكومية من خلال الطوائف. وقال عون ’’إذا كان الوعد مقدسا فكم بالحري قسم اليمين! يمين احترام الدستور والقوانين، وصون استقلال الوطن ووحدة أراضيه‘‘.
ومن جانبه أعرب البطريرك الماروني في لبنان بشارة بطرس الراعي عن توجسه من المرحلة المقبلة حيث تحدق الأخطار بلبنان. وقال الراعي “خيب الاعتذار آمال المواطنين ولاسيما الشباب الذين كانوا يراهنون على بدء تغيير في الطبقة السياسية”.
ويحظى العديد من كبار الساسة اللبنانيين المسيحيين والمسلمين على حد سواء بنفوذ كبير منذ سنوات أو حتى عقود. وبعضهم كان من قيادات الحرب. وقال الراعي “أصبحت البلاد أمام أخطار متعددة” دون حكومة في موقع القيادة.
وترددت أصداء تصريحات الراعي في شوارع بيروت التي سبق أن شهدت احتجاجات حاشدة عام 2019 بعدما تسبب سوء الإدارة والفساد والديون المتراكمة على مدى سنوات في انهيار اقتصادي فأصيبت البنوك بالشلل وهوت الليرة.
وكرر منذ فترة انتقاداته للمطالبات بتوزيع الحقائب الوزارية على أساس الطائفة، في إشارات إلى ممثلي الشيعة، حركة أمل وميليشيا حزب الله اللتين طالبتا بوزارة المالية، وهو ما عجل بانهيار مفاوضات تشكيل الحكومة واعتذار مصطفى أديب. ويُنتظر الآن أن يقوم الرئيس عون بمشاورات برلمانية يُلزمها الدستور لتكليف شخصية بإدارة مشاورات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة.
ولكن تتخوف دوائر سياسية ومراقبون من أن تفشل العملية مجددا، لاسيما مع تكثيف الضغوط الدولية على الفاعلين السياسيين في لبنان وتفاقم التدخلات الإقليمية في الشأن اللبناني.
وقال مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية سامي عطا الله “لا أتوقع حكومة في أي وقت قريب”. وأضاف “كانت هناك فرصة وضغط كبير من أجل تشكيل الحكومة لكن ذلك لم يحدث (…) ما يعني أن المشكلة أكبر” من الاعتبارات المحلية، في إشارة إلى انعكاسات الصراعات الإقليمية، لاسيما بين الولايات المتحدة وإيران، على الملف اللبناني.
ومع فشل المشاورات الحكومية، تتعاظم المخاوف من تدهور الأوضاع في لبنان الذي يشهد أخطر أزمة اقتصادية وسياسية منذ ثلاثين عاما، وسط تدهور في قيمة العملة الوطنية على خلفية تجاذبات سياسية ونقمة شعبية غير مسبوقة.
وترى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى أنه في ظل غياب حكومة جديدة في المدى القريب، يُترك لبنان بحكومة أشبه بـ”بطة عرجاء” لتصريف الأعمال في البلاد، مضيفةً أن “المؤسسات العاملة ضمنها عاجزة عن اتخاذ أي قرارات وهي بالتأكيد لا تستطيع التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة إنعاش اقتصادي”.
ومن جانبه تساءل المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، في تغريدة عبر تويتر، “أيها السياسيون (اللبنانيون)، هل أفسدتم حقًا هذه الفرصة الاستثنائية التي أوجدتها فرنسا؟”. وأضاف “متى ستتوقفون أخيرا عن ألعابكم المعتادة، والاستماع إلى صرخات واحتياجات الناس”.
ويضع اعتذار أديب عن مهمة تشكيل حكومة جديدة لبنان أمام مفترق طرق، لاسيما مع تعمق الخلافات بين الفرقاء حول الحقائب الوزارية رغم الضغوط الدولية واستمرار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
ويؤشر اعتذار أديب على احتمال فشل المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب الانفجار المأساوي الذي وقع في الرابع من أغسطس الماضي في مرفأ بيروت، وأدى إلى سقوط أكثر من 190 قتيلا وآلاف الجرحى، وألحق دمارا هائلا في مناطق كاملة من العاصمة اللبنانية.
وتواترت ردود الفعل منذ إعلان أديب عن اعتذاره بعد تمسك الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل بتولي حقيبة وزارة المالية، وهو ما قوبل بالرفض من رئيس الوزراء المكلف.