لماذا نكتب؟…* نوف قيس

النشرة الدولية –

«هذا كان عنوان كتاب للصحافية الأميركية ميرديث ماران حول أسباب الكتابة، كتاب ممتع يمكن تحميله إلكترونيا يحوي عشرين مقالا لعشرين كاتبا يتحدث عن تجربة الكتابة كمهنة أو كهواية أو هوية لهم».

بعيدا عن القلم وكينونته كخلق وأهميته منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، بعيدا عن ضرورة التدوين، فالعالم اليوم قد صنع لنا طرقا خيالية للتدوين كان القلم بها ملهما لكن لم يعد ضرورة، لو تسأل ابن الخامسة عشرة كيف يدون ما يريده فستراه يخرج هاتفه ليبدأ بتسجيل صوتي أو بفتح تطبيق ذكي للكتابة.

ليس القلم هو السر رغم أنه كان سببا لشغفنا النهم للكتابة، لا نزال نعشق رصة القلم على الورق وحفر الحروف كيفما تخرج من أفكارنا، لايزال أحدنا يحب الكتابة بالرصاص وآخر يشعر بأن القلم الحبر الجاف هو أحد أسباب مهارته، يتفنن الآخرون بجمال خطه ورسمة حروفه في الرسائل التي كان يبعثها لأصدقائه وأحبته في شتى بقاع الأرض بذات أهمية الكلمة التي يكتبها.

أنا تغريني فكرة شهية الكتابة، الجوع لسد ثغر الكلمات التي نشعر بها تضغط على قلوبنا وتنازع بأن تلقى به مكانا لتصبح حجيرة خامسة تمد الشغف بأوردتنا وتضخ كمية من المشاعر لا يهدئ من روعها سوى الكتابة.

أبحث عن ماهية الكتابة كمن يحقق في جريمة قتل، إصدار حكم بإنهاء حياة الكلمة كأنها تتشكل بهيئة قوس ينشب في قلب القارئ ولا يسهل انتزاعه، أو كمن يبحث عن منبت شجرة غرست جذورها منذ مئات السنين، لكنها تظل شجرة.

الكتابة شيء ليس بالمعتاد، إننا لا نعتاد الكتابة بل تظل هناك رغبة في تكرار التجربة متى ما بدأناها شعور يولد من جديد، كما لو أننا لا نعتاد على كلمة أحبك أبدا، كلما سمعناها يبدأ تأثيرها من جديد ونظل نود تكرارها لمدى العمر، إن كلمة أحبك تعد بمنزلة شهادة ميلاد، لذا، فإن الذي يكتب يتولد عنده شعور الحب وتبدأ شرارة التعلق بالاشتعال، تتوقد كلما خططنا حرفا.. لا تنطفئ.

يكتب البعض لأنانيته المفرطة وحبه لذاته بأن كلمته ولدت لتقرأ وصوته يجب أن يسمع وأن لديه ما يثبته، وجهة نظر كأنها دستور مقنن يصلح الأنفس والأزمنة.

يكتب بعضهم لإفراغ عاطفة أو استدرار عاطفة ما، يلوي البعض الكلمات بشكل مغرٍ تجعلك تقع تحت وطأة سحر الكلمات، إغواء من نوع قاتل، يقع الكثير بحب الكاتب حتى دون أن يراه ويشعر فعليا بأن الكلمات تعنيه هو وأنه المقصود من ورائها.

أنا أكتب لأجعل العالم يهتم بأمور ما عادت تهمه، لأن صوتي الذي لا يتجاوز حنجرتي بذلك أصبح يتجاوز القارات، لأن الكتابة هي لسان قلبي وجوارحي، ولأنني أحب الثابت والحرف المغروس على ورقة ثابت وأبدي لا يمحى، أحب أن أكتب مع ابني حرف الراء الذي يتعبه دون لدغة.. أكتب لكي أشعره بالأمان ضد مجتمع صوري شكلي، أكتب لأن الكتابة تشعرني بأنني لست تحت وطأة تهديد، أو أن أكون عرضة لانتقاد صوتي الرفيع أو صعوبة تهجئة كلمة ما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى