نوستالجيا ما بعد منتصف الليل…. الليل أصبح أكثر طولا في زمن الكورونا
النشرة الدولية –
افتح عيني التي جافاها االنوم. الساعة الثالثة فجرآ، أمسك الموبايل؛ لأتصفح الرسائل والأخبار على منصة التواصل الاجتماعي التى أصبحت ملاذنا جميعا، أجد العديد من تلك اللمبات الخضراء معلنة عن أصحابها الساهرين مثلي، حتى أولئك الذين يغلقون الدردرشة؛ تخبرنا منشوراتهم وتعليقاتهم أنهم بالجوار الافتراضى معنا، فكلنا لا نعرف متى نستيقظ، ولا متى نغمض أعيننا، وخصوصا بعد الكم المرعب من الحوادث وأخبار المصابين والوفيات التي تلاحقنا، ومست القريبين منا، هل نحن خائفون؟ ومن يستطيع النكران!
في سهرات الليل الذي أصبح أكثر طولا في زمن الكورونا، تكثر أحاديث الأصدقاء التي أصبحت قصيرة نسبيا هذه الأيام حيث تبدأ بالضحكات والاطمئنان والسخرية من مجريات الأمور في محاولة للتعايش، والصمود وأغلبها رسائل قصيرة مفادها دعواتكم أو نحن بخير اطمئن.
أما عن أولئك المحظوظين الذين يتمكنون من الدردشات لأوقات طويلة فهم أمثالنا ممن تعدوا الأربعينيات أو أكثر تكون أحاديثهم محملة بالذكريات وكأن الشهور الماضية هي عمر آخر طويل جدا، يفصلنا عن أيام كنا نلهو ونخرج ونسهر ونرتاد مطاعم التيك أواي، ونقف أمام عربات الفول لنبتاع ساندويتشا نأكله في الشارع ونحن نتحدث مع الجميع كأننا نعرفهم.
المقاهي التي عرفت الزوجات أهميتها البالغة الآن … عزيزي الرجل أبشر إذا مرت هذه المحنة بسلام فهي بنفسها من ستدعوك للخروج للمقهى تجنبا للشجار والنقار المعتاد، ولتمكث يا عزيزي ما يحلو لك من الوقت المهم أن تعد سالما هادئا مطمئنا.
تمتد الأحاديث التي تتكرر فيها جملة فاكر لما …..
ليكن الرد كانت أياااااااااام يا صاحبي
وبين هاتين الجملتين يتم تبادل الكثير من الصور القديمة وسرد قصص الطفولة والنكات وتكثر الضحكات المصحوبة بعيون تمتلىء بالكثير من الدموع وروائح الدفء التي تستحضرها الذاكرة.
ووعود إذا مرت هذه المحنة على خير سنفعل كذا وكذا وكذا………..
وأنا أيضا لن أتكاسل عن المشي يوميا في الصباح الباكر لاستنشاق الهواء والاستمتاع بشوارع القاهرة كما كنت أفعل فيما مضي منتظرة أن تعود لصخبها الجميل. ولن أرفض طلبًا لبناتي وأتحجج بالتعب لأخذهم للتنزه في الحدائق والسفر، وسألعب معهم كما لم أفعل من قبل.
هل أصبحت كل أحاديثنا تحمل الحنين لكل ما مضى حتى لو كنا لا نراه جميلا وقتها، نعم نحن كذلك؟
الحنين أو النوستاليجا Nostalgia الذي كان يعتبر مرضا فى القرن السابع عشر، يشبه نزلات البرد الشديدة التي تحتاج إلى تدخل الأطباء، تلك الكلمة التي صاغها الطالب السويسري يوهانس هوفر في جامعة بازل السويسرية في أطروحته الطبية عام 1688.
وظلت خلال القرن الثامن عشر في أوروبا، تستخدم لتعبر عن التعلق المرضي بأى مكان، أو أزمنة بعيدة، أو أشخاص. وبمرور الوقت شيئآ فشيئا بدأت تتحرر من دلالاتها الطبية لترمز للماضي بشكل عام، لتتحول لتلك النظرة الشاعرية التي نجدها في الأدب والشعر وحياتنا الخاصة المرتبطة بألم الفقد كما تقول سيفتلانا بويم في كتابها the Future of Nostalgia”” حيث أصبحت كلمة نوستاليجيا محاولة للهروب من ألم الفقد وإحباطات اللحظة الراهنة.
هي إذا حالة عاطفية نصنعها نحن؛ لنستعيد لحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، هي آلية دفاع يستخدمها عقلنا لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية فنحصل على دفعة من القوة نستطيع التعامل بها ومواجهة التحديات وصد الإكتئاب، وزيادة رغبتنا فى التواصل خصوصا مع الاشخاص الذين تربطنا بهم الذكريات.
فالحنين يجعلنا أكثر أمانا وأكثر دفئا، لأنه جهاز في أجسامنا يزودنا بلحظات من الراحة ومشاعر جميلة تربطنا بأشخاص، وأماكن دافئة وروائح مألوفة، فكلنا نعيش حالة من النوستالجيا لنستطيع المواجهة والتعايش والأمل فيما هو قادم.