“صباح” الكويت ولبنان… وفاء متبادل* حمزة عليان

النشرة الدولية –

غرام الوفاء بين #الكويت ولبنان أيقظه خبر حزين عم أرجاء الوطن العربي برحيل أميرها الشيخ صباح. لم تحزن الكويت وحدها فاللبنانيين يشاطرونها هذا الأسى لما لامست أياديهم من مواقف حفرت أسمها عميقاً في جدار الوطن.

الشيخ صباح، الحاضر الدائم في دفتر العلاقات بين بلدين جمعتهما وحدة التماثل بالقدر الجغرافي وبالتعايش المشترك بين أبنائه.

وراء كل صفحة في تاريخ لبنان وأزماته كانت الكويت ذلك السند المتأهب لوقفة الأخ مع شقيقه. في معظم المحطات الفاصلة في العلاقات، كانت ترسو على شاطئ الأزمات والثقة المتبادلة… لا شروط، لا مساومات سياسية أو غيرها…

بقيت نموذجاً للعلاقات العربية – العربية تصح أن تكون مسلكاً صالحاً يحتذى بين الشعوب التي تحترم بعضها وتحب بعضها وتثق ببعضها.

والدور الكويتي سيبقى ناقصاً ما لم يسجل له، ما فعله أثناء الحرب الأهلية منذ إندلاعها عام 1975 مروراً بكل الحلقات التي لازمته حتى إتفاق الطائف عام 1989.

فقد كان لشيخ الكويت وأميرها صباح الأحمد تلك الفعالية والحضور الشخصي والدؤوب والعمل لأنهاء الحرب. واكب إجتماعات وزراء الخارجية العرب مروراً بمقررات مؤتمري القاهرة والرياض عام 1976 وبتشكيل اللجنة العربية لتنفيذ تلك المقررات من أجل بسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية.

لقد توجت جهود الشيخ صباح الأحمد بما أنتهت إليه اللجنة السداسية لللإتصال والمساعي الحميدة عام 1988 بعدما تولت الكويت دفة هذه اللجنة مدفوعة بواجبها الأخوي تجاه لبنان وأملاً في تخليصه من حرب ضروس إمتدت إلى تسعة عشر سنة. وتمكنت من وضع وثيقة خاصة بالوفاق الوطني خرجت منها بنتيجة مفادها انه لا بد من إجراء إصلاحات وإنتخاب رئيس للجمهورية وقدمت “الأمانة” إلى القمة العربية في الدار البيضاء لتصل إلى مؤتمر الطائف الذي وضع خاتمة للحرب التي أنهكت البلد والشعب .

وفي لقاء خاص للراحل الأمير الشيخ صباح الأحمد لمجلة “الأفكار” عام 1997 قال: “نحن في الكويت بكل فخر وضعنا نقطة الوفاق اللبناني عبر المساعي التي بذلناها من أجل ذلك دون كلل أو ملل، وهذا الوفاق بطله الحقيقي الشعب اللبناني ولولاه لما تحقق شيء” .

لم تنقطع الزيارات وأواصر القربى بين الدولتين، فهناك سجل حافل من اللقاءات على مستوى القيادة السياسية والنيابية والشعبية، ومنذ الستينات من القرن الماضي تحول لبنان إلى مصيف لأمراء الكويت وبنوا فيه قصورهم والتي ما زالت شاهدة حتى اليوم.

من أيام الشيخ عبدالله السالم وصولاً إلى عهد الشيخ صباح الأحمد بقي لبنان دار أمان للأسرة الحاكمة للشعب الكويتي، فقد وجدوا فيه روحاً من التوأم، فمن يملك بيتاً في “ضاحية عبدالله السالم” مثلاً لديه ما يماثله في مصايف الجبل وصولاً إلى شتورا وما بعدها.

الكويت ومنذ ما قبل الخمسينات من القرن الماضي حجزت لها مساحة في الذاكرة اللبنانية تتسع مع مرور العقود لسنوات، إلى حد الإنصهار والغرام .

صعب أن تجد كويتياً ليس في جعبته شيء جميل عن لبنان، كذلك الأمر عند اللبنانيين الذين يحملون الود والحب “لديرة” إحتضنتهم ورعتهم كما الأبناء .

فتشوا في دفاتر السياسيين اللبنانيين ستجدون عند زوايا بيوتهم إرث من الكويت، من أيام آل الصلح، وبيت سلام وكرامي واليافي وآل الحريري، وعسيران وجنبلاط هناك “حبل سري” بينهم .

رحلة اللون المشترك منحت أبناؤه طعم الحياة الرغدة وكانت ضوءاً يطل من نوافد المنازل العتيقة كلما خفت صوت العصافير المهاجرة، هناك على ضفاف مياه البحر الزرقاء وهناك في الوديان والجبال الخضراء الزاهية.

الشيخ صباح، مدماك في إرساء علاقة متجذرة بين بيروت والكويت، رفع من شأن البلدين في ميادين العمل الدبلوماسي والإنساني.

سيكون الكلام عن “العطايا” في مثل هذه المناسبة بمثابة “الخيانة” تجاه عاشقين تبادلا مصاعب الحياة بحلوها ومرها. صحيح أنها أعطت، لكنها لم تكن يوماً بشروط بل بواجب أملته عليها صدقها وأمانتها وحفظها للأخوة، فالوفاء عندها شيمة الكبار.

ثراء العلاقة بغنى بلدين أغدق عليهما الله نعمة المحبة ووقفة الصديق من محمد صبرا كأول سفير لبناني يقدم أوراق إعتماده إلى الأمير الشيخ عبدالله السالم عام 1963 إلى السفيرين خضر حلوة وجان معكرون ومن تولى قبلهما وبعدهما كانت العلاقة الدبلوماسية ترسو في حاضرة عميد الدبلوماسيين الشيخ صباح الأحمد… الرحمة لك أيها الأمير المحب والعزاء لأسرة الصباح وأهل الكويت.

* إعلامي لبناني مقيم في الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى