لماذا صباح.. الأنموذج الصعب؟* د. ناصر أحمد العمار

النشرة الدولية –

رفع المغفور له بإذن الله صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة لتخطو الكويت بعدها عتبات المجد وتمهد لمسيرة أمة ووطن أجبر العالم على احترامه.

أرسى سموه رحمه الله قواعد للعمل الإنساني والعمل الخيري بمنهجية وفلسفة تعكس التزاما شرعيا باهتمام الإنسان لأخيه الإنسان، مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)، وقوله تعالى (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).

ـ أسس سموه مدرسة جديدة ونهجا مستحدثا في مفاهيم العمل السياسي والديبلوماسي، فاستحق لقب عملاق الديبلوماسية العربية، وجنب بحكمته واتزانه وخبرته المتوازنة الكويت تداعيات كبيرة في المنطقة الملتهبة، وقاد سفينة البلاد إلى بر الأمان.

ـ كان زعيما حكيما ووسيطا فعالا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، باتباع نهج المصالحة ولمّ شتات الأشقاء وإرساء قواعد التعاون المشترك.

كان رحمه الله أول من قدم الإغاثة في حالات الكوارث، وكان دائم التركيز على المساعدة في بناء عالم أفضل وحل القضايا الإقليمية من خلال استضافة مؤتمرات المانحين للعراق وسورية ودول أخرى مزقتها الحرب، كما حرص على حل القضايا الإقليمية من خلال الوسائل الديبلوماسية.

ولسموه إنجازات عملاقة ومشهودة على المستويين الاقتصادي والسياسي في الكويت، ونال لقب قائد للعمل الإنساني بعد أن كرسته الأمم المتحدة قائدا وراعيا للإنسانية، وهذا ما لم يسبقه أحد من قبل إليه، فاستحق اللقب عن جدارة.

ـ كان سموه أحد كبار رجال الدولة في الشرق الأوسط، واكتسب سمعة كوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية. وأكسب بلدنا أكثر الأنظمة السياسية حرية في الخليج، وهو الذي أصدر قانون المطبوعات والنشر، وكان له دور مميز في تحقيق الصحافة الكويتية مكانة مرموقة بين مثيلاتها في الدول العربية لما تتصف به من حرية واتزان.

ـ شهدت البلاد نهضة تنموية ضخمة وشاملة في عهده، واختط خارطة النهوض بتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.

ـ وله رحمه الله من المواقف الانسانية والوطنية العظيمة، فقد بادر سموه رحمه الله إلى الحضور شخصيا الى موقع الحادث بمسجد الصادق غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته وأطلق جملته الإنسانية الشهيرة «هذولا عيالي»، فأرسى (طيب الله ثراه) قواعد لنهج إنساني قلما يتحلى به قادة الدول الأخرى.

بوفاته رحمه الله أحدث صدمة في الشارع العربي، لما لسموه من بصمات مشرفة بشتى الأصعدة، ومنها دوره البارز في إطفاء فتيل الحروب بين العديد من الدول العربية، فكان مثالا للمروءة والاعتدال والحكمة والصوت القوي في المحافل الإقليمية والدولية دفاعا عن الحقوق العربية عموما وفي مقدمتها قضية فلسطين.

بغياب سموه تنطوي صفحة من التاريخ العربي كتبها بحروف من ذهب رجل عظيم تنقل في مقاليد الحكم والمسؤولية على مدى عقود، وخسرت الأسرة العربية ركنا مكينا من أركانها عمل على شد لحمتها وتعزيز تضامنها، كيف لا وهو الجبل الشامخ ذو الطلة الشامخة البهية، والصوت الذي لا ينطق إلا بالحق، وصاحب اليد البيضاء التي تبلسم الجراح وترأب الصدع في جسد الأمة.

ـ تبكيك الكويت اليوم كما يبكيك العالم بأسره مفجوعا برحيلك إلى جوار ربك والصالحين الذين أعطوا التاريخ الإنساني معناه النبيل.

حملت الكويت في قلبك فسكنت في ضمائر وقلوب شعبك، وتركتنا اليوم مطمئنا على مستقبلنا والكويت التي أسس لها ثوابت راسخة ومكانة دولية قادرة على استكمال نهضتها والقيام بدورها الإقليمي والدولي الفاعل في إرساء السلام وترسيخ دعائم التنمية، لتكون في مكانها المستحق على خريطة العالم، وبطموحات ترقى إلى عنان السماء.

ـ لقد ترجل القائد من على صهوة العظمة، مسطرا بحكمته مسيرة المستقبل لكويت المجد، وبوفاته فقدنا علما استثنائيا.

هذا هو النموذج الصعب من القادة العظماء. اللهم ارحمه واغفر له واعف عنه وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

اللهم وفق خلفه صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد وسدد خطاه وهيئ له من أمره رشدا وارزقه البطانة الصالحة.. آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also
Close
Back to top button