هل تم إعدام سيد قطب؟* د. توفيق حميد

النشرة الدولية –

يقول التاريخ إن سيد قطب تم إعدامه في أواخر الستينيات في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وتقول الروايات عن الحدث أنه عُرض على سيد قطب في يوم تنفيذ الإعدام بعد أن تم وضعه على كرسي المشنقة أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة كي يتم إصدار عفو عنه فقال: “لن أعتذر عن العمل مع الله”. فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس جمال عبد الناصر فقال: “لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق وإن كنت محكوما بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل”.

وروي أيضا أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له: “تشهد” أي انطق بالشهادتين فقال له سيد: “حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله”.

وكان سيد قطب، كما يحكى، يبتسم عندما سيق إلى المشنقة ابتسامة عريضة نقلتها كاميرات وكالات الأنباء الأجنبية حتى أن الضابط المكلف بتنفيذ الحكم سأله: “من هو الشهيد؟ فرد عليه سيد قطب بثبات وعزيمة «هو من شهد أن شرع الله أغلى من حياته»”. وقبل أن ينفذ الحكم أتوه برجل من الأزاهرة فقال له “قل لا إله إلا الله” فرد عليه سيد قطب: “وهل جئتُ هنا إلا من أجلها” وتم تنفيذ حكم الإعدام ونفذ فيه في فجر الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس عام 1966 م.

والسؤال المطروح هنا “هل تم إعدام سيد قطب؟”. ليس سؤالا عبثيا أو خياليا، لأن سيد قطب ليس فقط هو الجسد الذي يأكل ويشرب ولكنه في حقيقة الأمر هو “فكر” أسس للعديد ـ إن لم يكن أغلب ـ الحركات الجهادية في العالم والتي تنتهج العنف الدموي كوسيلة لنشر الفكر الديني وفرضه على الناس.

فهل انتهى فكر سيد قطب وهل تم إيجاد فكر بديل له لفهم أسس الدين بطريقة ترفض جميع أنواع العنف والكراهية حتى نستطيع القول إنه تم فعلا “إعدام سيد قطب”؟

فسيد قطب الذي بنى أفكاره على مبدأ “الحاكمية لله”  كان يرى أن الجهاد الحقيقي يتمثل في غزو مختلف البلاد لإزالة حكم الطاغوت وذلك لأن الإسلام ـ من وجهة نظره ـ هو إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو كما يراه فهو نظام رباني يهدف إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر ورد الحاكمية إلى الله، ولذلك فإن محاولات تعريف الجهاد في الإسلام بأنه مجرد حرب دفاعية لصد العدوان هي ـ في فكره ومفهومه ـ محاولات شيطانية تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض.

والعجيب أنه بعد موت سيد قطب جسديا بقى فكره يعيش وينمو بل ويترعرع في العالم الإسلامي حتى رأينا فكره الجهادي ينتشر في ربوع الأرض من مشرقها إلى مغربها. فرأينا الحركات التكفيرية الجهادية تنموا في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ويترعرع بعضها في مساجد في الغرب تحت شعار “الحرية الدينية”!

وكان ثمرة هذا الانتشار لفكر الرجل هي العديد من العمليات الإرهابية في شتى بقاع الأرض واعتداءات على المدنيين والمسالمين في أماكن عديدة مثل نيويورك ولندن وباريس وجنوب شرق آسيا وأفريقيا على أيدي تنظيمات مثل “القاعدة” و”بوكو حرام” و”داعش” و”الجهاد الإسلامي” وغيرها من التنظيمات الجهادية التي انتهجت فكر سيد قطب فعاش فكره المنحرف الدموي فيها حتى بعد “إعدامه” جسديا.

وأقرب مشهد يطل على ذهني من هذه العمليات هو الاعتداء الذي تم في باريس منذ بضعة أيام بالسواطير على أفراد مسالمين بسبب إعادة نشر صور كاريكاتور “شارلي إيبدو” الشهيرة!

فهل مات فعلا سيد قطب، فيما فكره ما زال يحرك الكثيرين حتى يومنا هذا في داخل عاصمة النور “باريس”؟

وهل تم إعدام الرجل في حين أن مبدأ “الجهاد لنشر الدين وإعلاء كلمة الإسلام” الذي آمن به سيد قطب لم يزل مبدأ أساسيا في الفكر الإسلامي ويتم تدريسه رسميا في كتب الفقه والشريعة؟

وبمنتهى الصراحة أقول إن إعدام سيد قطب الحقيقي لم يتم بعد وسيتم فقط ـ وأعني هذا بالحرف ـ حينما يتبنى رجال الدين وحماة الشريعة فكرا آخر يرفض بوضوح وبدون مواربة مبدأ القتال لنشر الدين ـ وهو المبدأ الذي قامت عليه ما يسمى بالفتوحات الإسلامية!

وحتى يتم هذا الأمر ويتغير الفقه الإسلامي في الكتب التي يدرسها الأزهر وغيره من الجامعات والمعاهد الإسلامية فيرفض بوضوح مبدأ العدوان لنشر الدين أي مبدأ “الفتوحات” ـ فإن سيد قطب سيكون حيا يرزق لأن فكره لم يزل حيا ومنتشرا داخل الكثير من العقول وفي العديد من الكتب التي يتم تدريسها باسم الدين!

فمتى يا ترى سيتم الإعدام الحقيقي لسيد قطب؟!

وللحديث بقية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى