جميل ما سمعته عن الشيخ صباح من جميل* د. ناصر أحمد العمار
النشرة الدولية –
يقول رئيس التلفزيون اليمني السيد جميل الذي انتشر له مقطع فيديو بعد رحيل أمير الإنسانية: «رحل الأمير صباح الأحمد، لكن صبح مآثره لم يرحل، رحل جسدا لكنه حاضر مدى من الضوء تعجز ضبابية الحاضر وعتمة المستقبل العربي عن حجب بريقه في ذاكرة التاريخ والأجيال المتعاقبة، حاضر أفعالا فائقة الأثر في وأد كل معضلة بينة أنجبت خلافات عربية، وإعادة ما قطع من وشائج القربى وشرايين السلام، ومواقف فخر وشموخ وإسناد أخذت مساحات لا متناهية من العرفان في أفئدة شعوب تعثرت بفعل تقلبات الزمان وجحود الاخوان، فأقل عثرتها وخفف مصابها، نعم رحل أمير القلوب وفارس السلام ورجل التوازنات وعملاق الديبلوماسية العربية وعميدها، وعنوان الوفاء وصانع النهضة والرخاء في كويت المحبة والمودة والإخاء، رحل بعد عقود كان فيها لإصلاح ذات البين وجهة وبلا مصالح، وللبذل والسخاء والجود والكرم غيثا لا يجف، ولنجدة الملهوف والمكروب والضعيف قلبا لا يغلق، وفي الدفاع عن قضايا الأمة ومقدساتها حصن منيع لا يمكن تجاوزه، رحل القائد الحكيم والأمير الإنسان بعد أن حفر اسم الكويت بأحرف من نور على جبين الزمان والمكان تقدما وازدهارا وحضورا وثقافة وحضارة، متجاوزا بإنجازاته حدود الجغرافيا وأيديولوجيات الفرقة والمصالح الآنية والأنانية، ما جعله الأقدر على التقريب بين وجهات النظر، والأقرب إلى الساسة الفرقاء، والمقرب من الشعوب وفي مقدمتهم الشعب اليمني الذي مد له في حربه ومعاناته يد البذل والعطاء، ولبنيته أيادي الإعمار والبناء، ولمحتاجيه وفقرائه قوافل الإغاثة والمساعدة دون كاميرات وأضواء، أو منّ أو أذى، ودون تدخل بشؤونه ومصادرة قراره وسيادته أو سيطرة على موانئه وجزره، ولساسته فتح الأجواء، وللحوار أشرع طاولة التف حولها الفرقاء، قائلا: اتفقوا من أجل اليمن أيها الأشقاء، فلبى دعوته وعمل بنصحه العقلاء، وتجاوزها الأشقياء ممن يدينون لغير أوطانهم بالطاعة والولاء، وصدق الشاعر فؤاد الحميري الذي قال: ما أطاقوك صبحا في المساء فدع الأرض لهم يا ابن السماء، إنه قاع المجانين، فعد للأعالي يا أمير العقلاء، فإذا قيل لمن تتركنا؟ قل كويت الخير باق من ورائي.
نعم أيها الأخوة، إنها الكويت التي بادلتنا نكران الجميل بالفعل النبيل، والجفاء بالمودة والوصال.. و.. وصال ذي القربى، والجحود بالتسامح والغفران، الكويت التي تعلمنا أبجديات اللغة، وألف باء القراءة والكتابة في مدارسها التي بنت، وتخرجنا في جامعاتها التي شيدت، وتعالجنا في مستشفياتها التي أنشئت في مختلف محافظات الجمهورية. الكويت التي عبدت لنا الطرقات، وبنت المؤسسات، وكانت الداعمة في الضائقات والملمات.
رحل الأمير الإنسان وقلوب الأمة من المحيط إلى الخليج تبكيه قبل العيون، ولسان حالهم ما قاله الشاعر أبوالطيب المتنبي: ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور، ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى ربوا على أيدي الرجال تسير، خرجوا به ولكل باكئ خلفه صعقات موسى يوم دك الطور.
نعم رحل الشيخ صباح الأحمد ووري جثمانه الثرى، لكن حسبا أنه غادر وله في قلب كل عربي ويمني قصور عامره بحبه، والثناء عليه والدعاء له في كل لحظة وحين، فوداعا يا ملك القلوب يا أيها الملك الذي راحاته قامت مقام الغيث في أزمانه، يا قبلة القصاد، يا تاج العلا، يا بدر هذا العصر في كيوانه، يا منقذ المحزون من أحزانه، يا من حوى رتب المعالي كلها بسمو مجد حل في إيوانه.
وداعا يا أمير الإنسانية».
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
استنطقت الأدباء والشعراء فاختطت أقلامهم عظيم المعاني وجميل العبارات في حب صباح هكذا هم العظماء حتى في موتهم يتربعون على عروش القمقم والهامات.