حرب المعلومات والمتلاعبون بالعقول* حمزة عليان
النشرة الدولية –
حرب المعلومات ليست جديدة ولا هي اختراع، الاختلاف حصل فقط في الأدوات، وهنا مكمن الخطورة، وتطور وسائل الاتصال والتواصل جعل منها أداة فعالة بل مرعبة، ومصطلحات التلاعب بالعقول والتضليل وعمليات الخداع كلها صارت من أدبيات حرب المعلومات.
أشهر من التقط الفكرة وكتب عنها وأعطاها معنى وهدفاً هو الكاتب الأميركي هربرت شيللر الذي أصدر مؤلفه “المتلاعبون بالعقول” في السبعينيات، وبات مرجعاً لمن أراد الاستزادة والقراءة، وقد أقدم المجلس الوطني للثقافة في الكويت على ترجمته في سلسلة “عالم المعرفة” وكان اختياره موفقاً.
هذا العقد من القرن الحادي والعشرين دارت فيه معارك ومواجهات تحت عناوين مختلفة، من الحرب السييرانية إلى القرصنة والاختراقات الحساسة إلى قطاعات تدار ببرامج إلكترونية متقدمة جداً.
قد يختلط الأمر عند البعض بين معلومات تبث عبر رسائل التواصل الاجتماعي وبين تقارير يتم إعدادها في كواليس الأجهزة العسكرية والأمنية بهدف التضليل أو خلافه، ولذلك جاءت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وضع ضوابط وقيود لاستخدام تكنولوجيا المعلومات وعدم توظيفها بأعمال عدائية والتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد ويقصد بالطبع هنا انتخابات الرئاسة الأميركية. لقد استفحلت الظاهرة وتفاقمت مخاطرها على أمن العالم، لا سيما تلك الحروب التي تدار من عاصمة كتل أبيب لتعطيل مفاعل نووي في طهران على سبيل المثال، أو التحكم في مصفاة نفط عن بعد دون أن يكون بإمكانك السيطرة عليها! إذا حيدنا حملات الأكاذيب والشائعات التي يتقنها محترفون في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فسنكون أمام تحديات من نوع آخر لها صلة مباشرة بحرب المعلومات. عندما يراد اتخاذ موقف سياسي ضد بلد ما، يجري الإعداد له من قبل خبراء مختصين، ثم تبدأ الماكينة بالدوران، بأن ينسب التقرير أو مضمون الخطاب إلى خبير في الشؤون الإيرانية أو الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر. وهنا أستعين بدراسة نشرتها جريدة “الجريدة” عام 2019 حول مشكلة اختيار خبراء الشؤون الإيرانية في واشنطن للباحث “نيجار رضوي” يقول إن نصف هؤلاء الخبراء لا يجيدون اللغة الفارسية أو كتابتها أو نطقها ولم يقدم إلا عدد ضئيل منهم أطروحة حول موضوع مرتبط بإيران!
وهناك ما يشبهه تماماًعندما يقول خبير في الشؤون الفرنسية فوجئ أنه لا يجيد لغتها، ولم يزرها يوماً وغير ملم بتاريخها وثقافتها وسياساتها! تخيلوا أن يستدعى خبيراً خمس مرات لتقديم شهادته أمام الكونغرس باعتباره شاهداً موثوقاً به في الملف الإيراني بين العامين 2014 و2015 مع أنه لم يدرس الشؤون الإيرانية ولا يفهم اللغة الفارسية ولا يتمتع بخبرة تقنية في التكنولوجيا النووية!
لو أسقطنا هذا الموضوع على واقع التعامل العربي مع إيران في مرحلة ما بعد الخميني لوجدنا حالة من الفراغ بغياب مؤسسات ومراكز بحثية تساعد وتنير الطريق أمام أصحاب القرار والرأي العام لفهم الواقع دون تزييف أو تضليل باعتماد تقارير تنقصها الحيادية والمعرفة والخبرة.
ربما كان السؤالان المهمان هما: من أين تستقي المعلومات عن هذا الجانب أو ذاك سواء تعلق الأمر بإيران أم بتركيا أم بدول عظمى أو إقليمية أخرى؟ وهل لدينا في العالم العربي مراكز أبحاث مستقلة ولديها ضمانات البحث والعمل الجاد، كما في إسرائيل “عدوة” العرب التي تملك أهم المراكز العلمية والبحثية على مستوى الشرق الأوسط؟
مراكز الدراسات ليست ترفاً فكرياً أو مجرد واجهات، بل هي صناعة فكرية بكل ما للكلمة من معنى، هي خزان المفكرين والباحثين لا مستودعات للتوظيف والبهرجة والاستعراض، وتجربة الفلسطينيين مع إسرائيل في مجال الأبحاث يمكن الاستدلال بها من خلال “مركز الأبحاث الفلسطيني” ومؤسسة الدراسات الفلسطينية التي أنشأتها في بيروت، وكانت هدفاً عسكرياً دائماً لضربات إسرائيل، التي عملت على اغتيال بعض من ساهم في إنشائها، والسبب أن هذين المركزين، دخلا إلى العقل الإسرائيلي من الداخل واستعانا بمتخصصين يجيدون اللغة العبرية، ويعرفون إسرائيل جيداً، وفهموا اللعبة وأتقنوها.
وكانت التجربة تعبيراً عن الوعي بأهمية أن تستقي المعلومات من مصادرها وترتقي بالخطاب الإعلامي والسياسي وترفع مستوى المواجهة وبأدوات عصرية متقدمة!