أمام لبنان مرحلة صعبة ومعقّدة من التفاوض حول الترسيم.. تستمر سنوات
النشرة الدولية –
نوال الأشقر –
شكّل الإعلان عن الإطار التفاوضي لترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة الخبر الإيجابي الوحيد في ظلّ تفاقم أزماتنا المالية الإقتصادية والسياسية. بصرف النظر عن التوقيت وارتباطه بالإستثمار الأميركي في زمن الإنتخابات الأميركية والتطبيع العربي مع اسرائيل، أسئلة عديدة تطرح حول المدى الزمني الذي ستستغرقه المفاوضات للوصول إلى الإتفاق النهائي، وهي غير محدّدة بسقف زمني، خصوصًا أنّ الإتفاق على بدء التفاوض استغرق حوالي عشر سنوات.
في المدى المنظور، والأرجح بعد عيد العُرش “السوكوت” اليهودي منتصف تشرين الحالي، كما أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، ستنطلق الجولة الأولى من المفاوضات، بحيث سيجلس على طاولة التفاوض وفدان يمثّلان لبنان واسرائيل، إلى جانب الأميركي بصفته الراعي، والأمم المتحدة بصفتها المشرفة. هذه الجولات ستكون صعبة ومعقّدة وفق رؤية الخبير في الشؤون النفطية مستشار لجنة الطاقة النيابية سابقًا ربيع ياغي “الإعلان عن بدء التفاوض هو نتيجة تراكمية لإتصالات حصلت على مدى سنوات تحت الطاولة وفوقها، عبر الموفدين الأميركيين خلال جولاتهم المكوكية، وكانت الأمور مكانك راوح. اليوم يبدو أنّه التوقيت المناسب للإعلان عن الإطار التفاوضي، الذي سيكون بإعتقادي طويل المدى، يحتاج سنوات لإنجازه، وصعب جدًا، لأنّ النقاط الخلافية جوهرية وأساسية، ولأننا نرسّم حدودًا معتدى عليها وليست ضائعة، بمعنى أنّ لبنان يدرك أين حدوده البحرية وفق اتفاقية الهدنة الموقّعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949”.
يحتاج لبنان كما إسرائيل إلى الإستقرار لضمان التنقيب الآمن عن الغاز، انطلاقًا من هنا يقول ياغي في حديث لـ “لبنان 24” “بدء التفاوض يصب في مصلحة الأطراف الثلاثة، أي إسرائيل التي لديها أنشطة نفطية مكثّفة شمال فلسطين المحتلة مقابل حدودنا البحرية الجنوبية، الولايات المتحدة التي تريد تسجيل خرق في الملف لاستثماره في الإنتخابات، وكذلك للبنان مصلحة بإتمام الترسيم، الأمر الذي يجعل شركات التنقيب تقدم على المزايدات والمناقصات التي تحصل بشأن التلزيم، لاسيّما في البلوكات 8 و9 و10”.
البقعة الجغرافية التي يجري التفاوض حولها واعدة جدًا وفقًا للمسوحات الجيولوجية وغنية بالغاز والنفط، لذا تحاول اسرائيل قرصنتها. حقوق لبنان فيها مثبتة بالخرائط “ولكن هناك خطأ ارتكبه المفاوض اللبناني، أثناء التفاوض على إتفاق ترسيم الحدود بين قبرص واسرائيل عام 2007، والذي أبرم أواخر عام 2010، بحيث مثّل لبنان مفاوض أرسلته وزارة الأشغال آنذاك، تراجع عشرة أميال بحرية عن حدودنا، فكانت النتيجة كارثية، الأمر الذي فتح شهية اسرائيل على القرصنة. ولكن المهم أنّ السلطات اللبنانية تنبّهت للخطأ، ولم يُصدّق الإتفاق من قبل مجلسي الوزراء والنواب كما لم ينشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي لبنان غير ملزم به. اسرائيل تذرّعت به بطبيعة الحال، وقبرص تصرّفت بقبة باط مع الإسرائيلي، فمررته. بحيث بدأت المشكلة نتيجة خطأ جغرافي استراتيجي، ناجم عن قلة خبرة وقلة دراية من قبل المفاوض اللبناني”.
من هنا، يضيف ياغي، المفاوضات معقّدة، إذ علينا في الوقت نفسه أن نفاوض على حدودنا الشرعية استنادًا إلى مواثيق الأمم لمتحدة والإتفاقيات التي لم توقّعها إسرائيل، وأن نعمل لتصويب الخطأ.
بدأ التفاوض حول الترسيم من شأنه أن يشجّع إئتلاف شركات توتال نوفتاك واني على البدء في التنقيب في البلوك التاسع. “علمًا أنّ شركة توتال الفرنسية التي تقود الإئتلاف، كان يفترض وفق برنامج العمل الذي قدّمته، أن تبدأ بالتنقيب في البلوكين الرابع والتاسع بالتوازي وفي الوقت نفسه عام 2019، ولكنها تركت التاسع وذهبت إلى الرابع، وأعادت تأخيرها بالبدء بالتنقيب إلى جائحة كورونا. ولكن قبل عام كانت قد أرجأت مواعيد الحفر في البلوك التاسع ثلاث مرات، وأعتقد أنّ توتال خضعت في حينه للضغوط الإسرائيلية، ووعدت بممارسة نشاطها في البلوك التاسع أواخر عام 2020. في الفترة الأخيرة طلب لبنان من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجوب إلتزام توتال ببرنامجها، ولا مؤشرات على التجاوب. اليوم البدء بالتفاوض لترسيم الحدود يطمئن توتال وغيرها من الشركات المهتمّة. خصوصًا أنّ البلوكين 8 و 10 مطروحان لدورة التراخيص الثانية، التي كانت قد أٌرجئت بسبب الظروف في لبنان، ونظرًا لعدم حماس الشركات النفطية في ظلّ تراجع أسعار النفط عالميا، حيث قلّلت الشركات من استثماراتها الإستكشافية والتطويرية للحقول والآبار والمصانع النفطية لديها “.
يختم ياغي: “الوقت ليس لصالحنا، من مصلحتنا أن يحصل الترسيم اليوم قبل الغد، دون أي تنازل عن شبر مياه واحد من حقوقنا، وهو ما أكدّه الرئيس نبيه بري. كما أنّ الحدود البحرية لا تُرسّم بمعزل عن البرية، لأنّ نقطة الإرتكاز الأساسية في ترسيم الخط البحري أنّه امتداد للخط الأزرق البرّي. الإعلان عن الإطار هو خطوة في الإتجاه الصحيح، لكن الأمور ليست بهذه البساطة، والجولات ستكون صعبة وطويلة الأمد”.
لدينا قطاع نفطي واعد، وهذا المعطى وحده يجب أن يشكّل دافعًا للمنظومة الحاكمة، لتضع جانبًا سجلّها الحافل بالمناكفات والنكايات السياسية والسمسرات، وتتكاثف بوجه الأطماع الإسرائيلية، وتصبّ كامل جهودها ولو متأخرة في استثمار قطاع حيوي، من شأن حسن وشفافية استثماره أن يغيّر وجه لبنان. فهل تفعل؟
نقلاً عن موقع “لبنان 24”