.. ورحل الشيخ صباح!* رجا طلب
النشرة الدولية –
تشرفت خلال عملي في صحيفة الوطن في الكويت على التعرف على سمو المغفور له الشيخ صباح الاحمد الذي فقدته الامة والعالم، كنا قرابة خمسة صحفيين منتدبين من الصحف الكويتية اليومية وهي الوطن، والقبس، والانباء والسياسة والرأي العام بالاضافة لوكالة كونا، كنا نذهب يوميا الى وزارة الخارجية لناخذ مباشرة من «نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد وقتذاك الايجاز الصحفي» ايجاز بشان التطورات السياسية او ما تم بحثه مع ضيوفه الكثر الذين يتوافدون لمكتبه سواء من داخل الكويت او خارجها، لم يكن رحمه الله من ذلك النوع الذي يُحب الكلام لمجرد الكلام، كان في كثير من الاحيان يرد على اسئلتنا بكلمة لا، او نعم صحيح، وفي الاجابة على اسئلة مفصلية كان يجيب باختصار وبكلام جزل وحاسم، وكان يرفض التعليق على الكثير من الامور التى يعتبرها لا تهم الكويت او الامة العربية، ولن انسى ابدا تصريحه الايجابي في بداية الازمة مع النظام العراقي في اواخر شهر تموز من عام 1990 اي قبل حدوث احتلال الكويت بثلاثة اسابيع عندما قال ان الازمة مع الاشقاء في العراق هي (سحابة صيف ونعمل على تجاوزها وارجو ان لا تُستغل من اطراف خارجية)، وقتها تساءلنا فيما بيننا من يقصد الشيخ صباح بالاطراف الخارجية، ولاحقا اتضحت الامور وكشفت تطورات الاحداث المستور، وتسيدت واشنطن المشهد والتى كانت المستفيد الاكبر من اكبر مأساة يعيشها العرب في حياتهم المعاصرة بعد احتلال فلسطين.
تميز الشيخ صباح رحمه الله بهدوئه ومعرفته الدقيقة للملفات الشائكة التى كان يتصدى لها، وكانت ابتسامته التي لا تفارق وجهه جزءا مهما من نجاح مساعيه الخيرة والمثمرة وكنت قد اطلقت عليه ومبكرا لقب «الاطفائي» الذي يقوم بمهمة إخماد الحرائق في الإقليم، ولا انسى مبادرته لتشكيل اللجنة السداسية لحل اعقد المشاكل وقتذاك، اقصد المشكلة اللبنانية والتي دعا لها مجموع الفسيفساء اللبناني إلى الكويت في قصر بيان، وهناك تعرفنا على رجل قادم من المجهول ولا يحمل اية صفة سياسية كان اسمه «رفيق الحريري»، وعندما سالنا الشيخ صباح في وزارة الخارجية لاحقا عن هذا الشخص قال رحمه الله «هذا عنوان لبنان القادم تذكروه ولا تنسوا اسمه» إجابة لم نفهم معناها إلا بعد نصف عقد من الزمن.
كان رحمه الله عروبيا بلا مزايدة، وكان فلسطينيا حتى النخاع، وهو صاحب مقولة «الكويت لن توقع سلاما مع إسرائيل إلا بعد اقامة دولة فلسطينية» وبقي سدا منيعا في وجه التطبيع الذي اورثه حتما للشيخ نواف الأحمد والكويت كلها هذا البلد العروبي الأصيل الأصيل.