الكويت تودع حكيم العرب* رشاد ابو داود

النشرة الدولية –

عندما ذهبت الى الكويت أواسط السبعينات وجدت جامعة عربية حقيقية بلا مؤتمرات ولا خطابات ولا شعارات سوى شعار واحد كان مكتوباً على الأوراق الرسمية والكتب والدفاتر الرسمية «الكويت بلاد العرب».

في السالمية والرميثية والأحمدي والفنطاس والجهراء والمنقف والفحيحيل والفروانية والنقرة وحولي التي كان أمير الكويت الحالي الشيخ نواف الأحمد الصباح محافظاً لها، وجدت أكثرية عربية من كل الدول العربية وقلة من الهنود والباكسانيين والبنغاليين.

كان العرب يعملون في وظائف حكومية، كل الوظائف بما فيها الديوان الأميري والجيش والداخلية والوزارات. وطبعاً في كل المدارس من أقصى منطقة الى قلب العاصمة وأحيائها من المرقاب الى الشامية الى القادسية الى بنيد القار الى شرق الى كيفان وغيرها.

لم يكن العربي يشعر بأنه في بلد غريب عن بلده. سواء كان مصرياً او أردنياً أو فلسطينياً أو لبنانياً أو سورياً أو يمنياً تونسياً أو مغربياً أو صومالياً أو موريتانياً.فلم يكن شعار «الكويت بلاد العرب « مجرد شعار بل واقعا جميلا يظلل كل مقيم بالأمان والطمأنينة وبحبوحة العيش الكريم.

لقد استوعب الكويتيون اخوتهم العرب في كل مناحي الحياة. تشاركوا معهم كل شيء، كل شيء بما فيها الأكلات الشعبية الكويتية من مجبوس لحم او دجاج، محمر جواف ، تشريبة ومطبق سمك الى المنسف والتبولة والمجدرة وطبعاً الحمص والفول والفلافل. وكان الدور عند مطعم كناري في شارع تونس يصل حتى رصيف الشارع الذي كان يغص بمحلات الأثاث والادوات الكهربائية، فالتجارة كانت مفتوحة للعربي كما الكويتي مما جعل عجلة الاقتصاد في دوران تام بصحة وعافية.

قلب الكويت لم يكن فقط يتسع للعرب المقيمين على أرضها بل كل العرب في اقطارهم. المرحوم الذي فقدته الأمة العربية قبل أيام الشيخ صباح الأحمد الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك كان رجل الاطفاء العربي الأول فما كان ينشب خلاف بين بلد عربي وآخر حتى نجده يحمل «بشته» وقلبه ويسارع الى عاصمتي البلدين فتتم المصالحة. وقد اثمرت جهوده في وقف الحرب الأهلية اللبنانية 1957_1990 وأودت بحياة 120 الف شخص، وهو الذي أوصل اللبنانيين الى مؤتمر الطائف لتتم المصالحة بين الفرقاء.

بجدارة كان الشيخ صباح الأحمد شيخ الدبلوماسيين العرب حين كان وزيراً للخارجية لعشرات السنين، ورجل دولة حكيماً منذ تولى الامارة وحتى رحيله.

سر آل الصباح أنهم لم يتمسكوا بكرسي الحكم بل الكرسي هو الذي تمسك بهم. ساروا على نفس الطريق الوطني العروبي منذ أبو الاستقلال الشيخ عبد الله السالم والشيخ صباح السالم والشيخ جابر الاحمد ثم الشيخ صباح الأحمد، وكتبوا على بوابة قصر الحكم في السيف «لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك«. ومؤكد ان الشيخ نواف الأحمد سيسير على نفس الطريق ويحفظ للكويت محبة شعبها والعرب واحترام العالم.

لم يبق طفل كويتي الى وبكى «بابا صباح» في ذلك الصباح الحزين عندما سمع خبر وفاته ولا شاباً وعجوزاً الا وترحم على الرجل الذي حفظ للكويت موقعها في قلوب العرب وموقعها في الساحة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button