الرعب من المجهول يصنع الأصنام
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
ينتابنا الرعب من حاضر غامض ومستقبل مجهول، فنسعى للبحث عن المعرفة على أمل استشراف المستقبل ومعرفة خباياه قبل الآخرين، ويظن البعض ان الاستشراف يمنح صاحبه القدرة على تجاوز الألم ويزيد أمامه من فسحة الأمل، فيغبطه الأحباب ويحسده الكارهون، ولا يدرك الطرفان ان المستشرف يتألم أكثر من الجميع، فهو المبصر بين قوم أصابهم العمى، فيرى أوجاعهم الحالية والمستقبلية ويتألم غيظاً وقهراً، وهم لا يشاهدون ألمه فيبتسمون وقد يضحكون ويرقصون، ففقدان نظرهم حماهم من الشعور بالألم القادم، لذا يكون هذا البصير حامل ألم الجميع ، ليتحقق قول الروائي البرتغالي ساراماجا: “الأكثرُ رُعباً من العمَى، هو أن تكونَ الوحيدَ الذي يرَى”.
ففي العالم الحالي نفتقد لأساس البشرية وهو أن نكون بشر نحمل صفات الإنسانية، نحمل صفات الخير والحب والجمال، وهي صفات قتلتها المدنية والتكنولوجيا والبحث عن التفوق البشري دون حساب للمخاطر، فأصبح الحفاظ على طير غارق في النفط أهم من حياة الاف البشر الذين يموتون من البرد أو الحر، وينصب العالم الحر “إسمياً بالكذب” للطير المآتم وينتشر الحزن في جميع المحطات الفضائية التيتبث ما تستقبل دون إدراك لخطورة من تبثه، وهي نفسها التي تُشيع الفرح لقتل الاف البشر حيث تنشر افراح النصر في دول القتل والإجرام، فتصبح لدى هؤلاء حياة الانسان أرخص، وهذا استشراف شاهده في مستقبل الشعوب البريطاني الساخر جورج برنارد شو حين قال: ” الآن بعد أن تعلمنا الطير في الهواء كالطيور، والعوم تحت الماء كالأسماك، نحتاج فقط إلى شيء واحد : أن نتعلم كيف نعيش على سطح الأرض كبشر”، وهذا أمر لم يتحقق لغاية هذه اللحظات كون البشر يحتكمون لقانون الغاب الذي يسود حاليا.
فالبشرية الآن بين مرحلتي الخوف والإحباط مما يتيح السيطرة لمجموعة محدودة من الناس على فكر ورؤية البشر الذين ارتضوا أن يصبحوا مجرد متلقي أوامر، فضاعت هيبتهم وانتفت أهمية وجودهم، فهم مرتعبون حد الموت من مواجهة مصير مشابه لبعض الدول أو يتخوفون من الجوع والبرد القادمين بفعل الحروب التي صنعها منتجوا سياسة نشر الرعب، ويزداد الرعب بفعل الاعلام الذي يركز على نشر صورة مستقبلية قاتمة، وهنا يتسرب اليأس إلى نفوس البشر وتذهب نصائح المفكرين القادرين على استشراف القادم بشقية السلبي والايجابي في مهب الريح، فيصابون بالاحباط الذي ينتقل للبقية بفضل إعلام أجير أو مملوك للقوى الظلامية، لتبقى الأمم قابعة في مكانها راضية بذل الحاضر خوفاً من أوجاع غير مرئية في المستقبل المنظور، لتنشأ حياة بلا قيمة كون الانسان بلا فكر لا يختلف عن أي جماد على الأرض.
آخر الكلام:
تحويل البشر لأصنام يسير في اتجاهين، الأولى بتحويل بعض البشر إلى أصنام للعبادة والتقرب إليهم زلفى وهؤلاء ندرة في المجتمعات، والثانية بتحويل الغالبية إلى مجرد تماثيل لا تفكر ولا تعمل وترضى بما يُفعل بها .