رفض إسرائيل يدخل في باب الضغط النفسي: العين على الموقف الأميركي
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
بالرد الاسرائيلي الرافض لملاحظات لبنان على الاتفاق الاميركي، تعقدت الامور وتوترت الاجواء ودخل الجميع في تفسير ابعاد الموقف الاسرائيلي. في حساب الاحتمالات هل اراد الاسرائيلي وبعد ان حقق لبنان نسبة 90 بالمئة من مطالبه واضاف تعديلات على 10 بالمية من النصوص المهمة تصوير نفسه متجاوباً بينما لبنان هو المعطل، او ان تكون اسرائيل ارادت التماهي مع الرأي العام والاعلام الاسرائيليين عشية الانتخابات الاسرائيلية بينما هي تسير بالاتفاق. في كلا الاحتمالين فان العامل المطمئن هو الاميركي الذي اقنع اسرائيل وضغط من اجل التوصل الى الاتفاق وهو المتلهف للوصول الى خواتيمه والتفرغ نهائياً الى الجبهة الغربية .
على المستوى الرسمي لم يكن الرد الاسرائيلي مفاجئاً برفض ملاحظات لبنان على الاتفاق الاميركي المتعلق بالترسيم البحري للحدود بين لبنان واسرائيل. بقي لبنان متمسكاً بما ناله من الاميركيين من تعهدات بمواصلة التفاوض. المكلف متابعة ملف التفاوض نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لم يقطع تواصله مع الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين وهو تباحث معه بشأن الملاحظات اللبنانية والرد الاسرائيلي بشأنها وقد وضعها في اطار مسار التفاوض الطبيعي، اما الكلام الاسرائيلي عن استنفار استعداداً لعمل امني على الحدود فهو ايضاً يدخل في اطار المفاوضات. فـ»حزب الله» كان اعلن اقصى درجات الاستنفار تحسباً لاي اعتداء اسرائيلي. ويؤكد بو صعب ان لبنان يتعاطى كأن شيئاً لم يحصل طالما لم يتلق اي رد رسمي اميركي بعد والملاحظات التي قدمها لا تزال موضع نقاش ونعرف ان البعض أُخذ به والآخر سيكون موضع تفاوض، مشيراً الى ان لبنان ينتظر الرد الاميركي ليبني على الشيء مقتضاه .
اما «حزب الله» فلم يزل على موقفه بمنع اي استخراج من كاريش طالما ان لبنان لم يستفد من حدوده البحرية بعد. طوال فترة المفاوضات كان الاميركي يطمح الى الحصول على ضمانات من «حزب الله» واهتم بموقفه. اخذ الاميركي اتفاق الترسيم البحري على عاتقه. صاغ فقراته بنفسه ليختصر من خلاله المفاوضات مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي. وهذا بحد ذاته يشكل ضمانة بأن الاميركي لا يريد العودة الى الوراء بدليل ما قاله البيت الابيض ان «الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل تراجع لكن يمكن إنقاذه» وهذه مهمة على عاتق الاميركيين.
يترقب «حزب الله» تداعيات الرفض الاسرائيلي وعينه على الاميركي. خاض الحزب معركة الحدود البحرية وربحها من دون ان يسقط له شهيد. اثبت ما حصل وجود قوته الرادعة باعتراف الاسرائيليين انفسهم. صحيح ان التفاوض والعمل الديبلوماسي اوصلا الى النتيجة المرجوة لكن ايضا فان الدور الاكبر هو لتدخل «حزب الله» في الوقت المناسب، اختار الانتخابات الاسرائيلية وحاجة اميركا الى النفط الاسرائيلي لتغطية حاجة الاوروبيين. الاميركي لاعب اساسي هنا وهو من دفع باتجاه انجاح المفاوضات منذ اللحظة الاولى وهو كان المفاوض الاول وتولى من خلال اللواء عباس ابراهيم مد الجسور مع «حزب الله» للحصول على تطمينات جعلته يمضي في الضغط على الاسرائيلي.
لا يهتم «حزب الله» لكل ما قيل ويقال «الشمس طالعة والناس قاشعة» والحقيقة وحيدة ان لبنان نجح في انتزاع حق لبنان البحري وفي عهد ميشال عون تحديداً.
طوال فترة المفاوضات كان «حزب الله» الحاضر الاساسي الى جانب اللاعبين الفعليين. اطلع من خلال موفده اللواء ابراهيم على كامل التفاصيل وكان هو الرسول الذي يتواصل مع الاميركيين ويتولى نقل الرسائل باتجاه «حزب الله». اطلع الحزب على كل محاضر الاجتماعات اولاً بأول منذ بدأت المفاوضات. تلقى رسائل بالجملة دارت كلها حول طلب الاميركيين ضمانات وتطمينات . كان يتلقى «حزب الله» الرسائل من دون ان يبعث بالاجوبة اللازمة عليها افساحاً في المجال امام المفاوضين لتمتين مواقفهم وكانوا يدعمون الموقف اللبناني الموحد ويرفضون اي انتقاص من حق لبنان في حدوده البحرية. وكان من الرسائل المهمة التي تلقاها حزب الله من الاميركيين نصيحته ان يمضي لبنان قدماً بالاتفاق قبيل الانتخابات الاسرائيلية واحتمال نجاح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ما يقلل فرص نجاح الاتفاق ويعزز التوقعات بالانقلاب عليه. فكان جواب «حزب الله» ان الموضوع الاسرائيلي لا يعنيه وما يعنيه ضمان الحصول على حقه قبل او بعد الانتخابات الاسرائيلية. وفي كل مرة كان يطلق الامين العام مواقف متشددة تجاه الاسرائيلي اذا ما انسحب من المفاوضات كان الاميركي يبعث برسائل تفيده عن مدى جدية «حزب الله» وتهديداته وينال تأكيدات بأن «حزب الله» لن يتراجع عن اي موقف متعلق بحماية حق لبنان في ثروته على حدوده البحرية.
كان «حزب الله» ينتظر مسار التعاطي الاسرائيلي مع الاتفاق الاميركي بشأن الحدود البحرية. ردود الفعل كانت متوقعة من قبله لكنه يعرف حكماً ان الطرف الاقوى في ما تم الاتفاق بشأنه هو الجانب الاميركي المتلهف لانجاز الخطوات وبلورتها للوصول الى الغاية المرجوة. قبل القرار الاسرائيلي كما بعده لا يزال «حزب الله» وفق مصادر مطلعة على موقفه متمسكاً بالمعادلة التي تقول لا استخراج من كاريش ما لم يحصل لبنان على حقوقه.
هي مرحلة استنفار بين لبنان واسرائيل وهي الادق والاصعب حيث يعلن الطرفان الاستنفار تحسباً للاسوأ لكن مع فارق ان الاميركي هو الجهة الضامنة وهو الذي سعى جاهداً لابرام الاتفاق وصياغته ويضع ثقله لبلوغ خواتيمه المرجوة. فهل سيقبل بضربة ثانية موجعة بعد قرار الاوبك بتراجع انتاج النفط؟ ام ان كل ما يحصل يدخل في باب الضغط النفسي وهو المرجح.