يتسللون للغرب بحثاً عن الكرامة.. والأغرب أنهم يجدونها هناك!* صالح الراشد

النشرة الدولية –

يفتخر القادة بإنجازاتهم وتكون هذه الإنجازات عظيمة كلما اقتربت من النهوض بالإنسانية، ويركز بعضهم على إنجازات الدم والقتل والدمار حتى يُصبح بين عُظماء العالم، ونجد أن المؤرخين قد خلّدوا ذكر القتلة والمجرمين أكثر من تخليدهم لذكرى عظماء الإنسانية ، وربما تسببت سطوة القادة ورهبتهم بجعل العلماء والمؤرخين يُخلدون من يتفوقون عليهم بمعاني القوة، ليحتل الإبداع العلمي والصفات الإنسانية  المركز الثاني في إهتمامات كتبة التاريخ ومزوروه، لذا نجد أن غالبية سكان العالم يعرفون الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي كان أول من قام بجريمة إبادة جماعية بقنبلة نووية، لذا فقد ذاع صيته على أنه من انتقم لبلاده.

وحتى نشاهد الصورة بطريقة أقرب فإن الصحافة خلدت إسم الرئيس الأمريكي بوش لأنه قتل أبناء العراق، وحتى حين بحث الإعلام عن تخليد إسم الرئيس أوباما قال عنه انه من قتل أسامة بن لادن ومن أشعل الثورات العربية، فيما لم يُنسب فعل بطولي للرئيس الحالي ترامب بعد مرور أربع سنوات من حكمه إلا قتل قاسم سليماني، وقبلهم لو عدنا إلى دول النهضة الأوروبية سنجد ان شعبية القاتل نابليون بونابرت تتفوق على شهرة العالم الفرنسي لويس باستور أحد أهم مؤسسي علم الأحياء الدقيقة في الطب رغم أن نابليون مجرم وقاتل وباستور منقذ للبشرية.

إن تخليد القتلة يعود لرغبة المجتمع بالشعور بالعظمة أو العبودية، فالإنسان بطبيعته يبحث عن غطاء يتجاوز حدود السماء ولا يجد هذا الأمر في العلماء المبدعين، لذا ومع نهاية الرسالات السماوية فقد أخذوا بالبحث عن هالات عظيمة تجعلهم يشعرون بتبعيتهم ودونيتهم، وبالذات في المجتمعات العربية الغارقة في معاني العبودية حتى أذنيها، ليكون البديل مجموعة من القادة الذين يصفهم الغرب بالعظماء والشرق بالمجرمين، وعلى العكس يصف الشرق قادة الثورات بالابطال ويصفهم الغرب عدو الحريات والديموقراطية بالمجرمين، لذا يطالب بتصنيفهم كارهابين فيما من يقتلوا الآلاف يحصلون على جوائز نوبل للسلام، وهنا تختل الموازين وتضيع معاني الإنسانية والحرية والكرامة.

والغريب ان بعض الدول تتسابق للتعاقد مع غطاء غربي حتى تحافظ على هيبتها وتدفع له المال لحمايتها، وبالتالي ترتفع من منصب عبد كريه إلى عبد مقرب محبب، ولا تقتصر هذه العادات القبيحة على الدول بل انطبقت على الأفراد وتظهر وقت الإنتخابات ويُطلق عليها ظاهرة العم والخال، فالبعض يُسارع لصناعة سيد جديد يصعب الوصول إليه في الأوقات العادية بسبب نظرته الفوقية للآخرين، فيما يسارع العم أو الخال للتقرب من هؤلاء الأشخاص في الإنتخابات ليشعر هؤلاء أنهم قد حققوا المُراد والحلم وارتقوا بين الصفوة ” حسب مقايسهم”.

 

إن الكرامة عنصر متكامل غير قابلة للتجزئة وهي التي تحفظ للدول هيبتها وقيمتها بين دول العالم، لذا نجد أن قيمة المواطن الأمريكي تفوق قيمة مدينة كاملة من دول العالم الثالث، لذا فقد قتلت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة ملايين إنسان إنتقاماً لمن قُتلوا في تفجيرات البرجين، ومسحت مدينتين صينيتين عن الخارطة بسبب الهجوم على بيل هاربر، ثم غيرت ملامح العالم ووضعت على سدة الحكم من يطبقون سياستها ويدافعون عنها، لذا فإن غالبية أهل الأرض يحسدون المواطنين الأمريكيين على إهتمام حكومتهم بهم، فيما المواطن العربي يبحث عن كرامته داخل بلده وحين يفقتدها يتسلل للغرب لعله يجدها هناك، والغريب أنه يجدها هناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى