دمشق تسقط من اعتبارها شرط حل القضية الفلسطينية للسلام مع تل أبيب
النشرة الدولية –
أكد الرئيس السوري بشار الأسد استعداد بلاده لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل شريطة أن تبدي تل أبيب جدية وتعيد الأراضي السورية التي احتلتها، متجنبا ربط مسألة العلاقات بالملف الفلسطيني في تغير لافت في مقاربة دمشق للعلاقة مع إسرائيل، والذي من الواضح أنه ليس وليد اللحظة.
وكان النظام السوري التزم الصمت حيال خطوة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل في سبتمبر الماضي، على خلاف حليفته إيران، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات.
واكتفى حزب البعث الحاكم حينها بإصدار بيان اعتراض وإدانة، في ما بدا محاولة من قيادته لحفظ ماء الوجه من الاتهامات التي قد تطالها بأنها انقلبت على المبادئ والثوابت التي تأسس عليها الحزب، بالمقابل ركنت السلطة الرسمية إلى الصمت.
ولطالما ربطت دمشق تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني واستعادة سوريا لأراضيها.
وتعزز تصريحات الأسد الأخيرة في مقابلة له مع وكالة “سبوتنيك” الروسية وجود بوادر تحول في السياسة الخارجية السورية تجاه إسرائيل، وهو ما بدا واضحا أيضا في تجنبه استخدام مصطلحات ومفردات من قبيل “الكيان”.
وأوضح الأسد أن عقد محادثات مع إسرائيل يكون ممكنا “عندما تكون إسرائيل مستعدة لإعادة الأرض السورية المحتلة ولكنها ليست كذلك وهي لم تكن مستعدة أبدا”.
وقال “موقفنا واضح جدا منذ بداية محادثات السلام في تسعينات القرن العشرين، أي قبل نحو ثلاثة عقود، عندما قلنا إن السلام بالنسبة لسوريا يتعلق بالحقوق. وحقنا هو أرضنا. يمكن أن نقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل فقط عندما نستعيد أرضنا. المسألة بسيطة جدا”.
وتأتي تصريحات الأسد بعد أيام قليلة من إعلان لبنان عن اتفاق إطار لبدء مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين الجانبين، في تنازل غير متوقع لجهة أن قوى لبنانية في مقدمتها حزب الله حليف دمشق كانت ترفض بالمطلق أي حوار مباشر للبنان مع الإسرائيليين.
وقالت الكتلة البرلمانية لحزب الله الخميس إن التفاوض مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية لا علاقة له بصنع سلام معها، في ما بدا محاولة لتخفيف الحرج عن الحزب، الذي لم يكن ليتم التوصل إلى اتفاق دون موافقته.
ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية في الرابع عشر من الشهر الجاري، بواسطة أميركية ورعاية أممية، ومن المرجح أن تركز في المرحلة الأولى على ملف النزاع الحدودي البحري، بانتظار حصول توافقات أشمل لاسيما وأن ترسيم الحدود البرية لا يمكن تحقيق توافق بشأنه ما لم تنخرط فيه دمشق التي لا تزال تماطل في الإقرار بلبنانية مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
وكثر اللغط في الآونة الأخيرة عن تفاهمات دولية وإقليمية يجري بحثها بعيدا عن الأعين، أحد محاورها العلاقات السورية اللبنانية مع تل أبيب، لاسيما بعد الاختراق الذي تحقق على صعيد مسار العلاقات الخليجية الإسرائيلية.
ونفى الرئيس السوري وجود تحركات إسرائيلية لتحقيق السلام المتبادل بين البلدين حتى الآن قائلا “لم نر أي مسؤول في النظام الإسرائيلي مستعدا للتقدم خطوة واحدة نحو السلام. وبالتالي، نظريا نعم، لكن عمليا، حتى الآن فإن الجواب هو لا”.
وأكد الرئيس السوري أن دمشق لا تجري في الوقت الحاضر أي مفاوضات مع إسرائيل موضّحا “لا، ليست هناك أي مفاوضات على الإطلاق، لا شيء على الإطلاق”.
ويقول متابعون إن الأسد حرص في المقابلة مع الوكالة الروسية على ترك الباب مواربا أمام إمكانية التفاوض مع إسرائيل، ويرى البعض أن الرئيس السوري بدأ يتحرك فعلا لكسر الحواجز النفسية التي تحول دون بناء علاقات طبيعية مع تل أبيب.
ويدرك النظام أهمية الموقف الإسرائيلي بالنسبة لبقائه وتحجيم ردود الفعل الأميركية وعدم الوصول بها إلى مسعى لإسقاطه. ويقول المتابعون إن عملية إسقاط الأسد كان يمكن أن تجري في ظرف أسابيع معدودة من قبل الولايات المتحدة منذ تفجر الصراع في العام 2012، حيث كانت واشنطن تملك أكثر من حجة للقيام بتدخل عسكري ضده على غرار إمكانية استثمار “مجزرة الغوطة” في العام 2013، وكانت حينها واشنطن جاهزة فعلا للتحرك قبل أن يجري فرملتها.
ويلفت المتابعون إلى أن إسرائيل لعبت أيضا دورا رئيسيا في استعادة النظام السوري لجنوب البلاد في العام 2018 بعد أن خرج عن سيطرته في أواخر العام 2013، وحالت تل أبيب دون تكرار سيناريو إدلب في الجنوب، حيث كان يسعى الأردن لاستغلال الوضع المنهار للأسد باحتضان غرفة موك، وتقديم الدعم للعشائر في الجنوب، قبل أن يتم وضع حد لتلك الطموحات ويجري وقف التمويل الخليجي.
ويقول محللون إن إسرائيل ترى بأنها مستفيدة من بقاء الأسد، ونظامه، وليس من مصلحتها إسقاطه لأن ذلك قد يقود لسيناريوهات مخيفة بالنسبة لها لاسيما إمكانية وقوع السلطة في دمشق بأيدي جماعات معادية.
ويلفت المحللون إلى أن المشكلة الرئيسية بين دمشق وتل أبيب تكمن أساسا في وجود إيران والميليشيات الموالية لها، الذي تعتبره تهديدا لأمنها القومي.
وتشن إسرائيل منذ العام 2013 ضربات جوية على مواقع لإيران وميليشياتها المنتشرة في أنحاء سوريا، وصعدت في الأشهر الأخيرة من نطاق استهدافها متجنبة توجيه ضربات موجعة لمواقع للنظام السوري.
ونادرا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات، إلا أنها تكرّر أنها ستواصل تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإرسال أسلحة متطورة إلى ذراعها الأبرز في المنطقة حزب الله اللبناني.
ونفى الرئيس السوري في لقائه مع وكالة “سبوتنيك” وجود أي قوات إيرانية داخل أراضي بلاده، مشيرا إلى أن الوجود الإيراني يقتصر على خبراء عسكريين يعملون مع الجيش السوري على الأرض.
وقال الأسد “ليست لدينا قوات إيرانية، وهذا واضح جدا. إنهم يدعمون سوريا، يرسلون الخبراء العسكريين ويعملون مع قواتنا على الأرض، ويتواجدون مع الجيش السوري”.
وتابع “دعنا نأخذ مثالا عمليا: قبل نحو عام، أخبر الأميركيون الروس لإقناع الإيرانيين بأنهم يجب أن يكونوا على مسافة 80 كيلومترا عن الحدود مع مرتفعات الجولان المحتلة من قبل الإسرائيليين. رغم أنه لم يكن هناك جنود إيرانيون، لكن الإيرانيين كانوا مرنين جدا، فقالوا: حسنا، لن تكون هناك طواقم إيرانية جنوب ذلك الخط، وقال الأميركيون: إذا استطعنا الاتفاق على هذا، سننسحب من الجزء الشرقي المحتل من سوريا على الحدود مع العراق، أو المنطقة المسماة التنف، ولكن لم يحدث شيء. لم ينسحبوا”.
وشدّد الأسد على أن قضية “الوجود الإيراني” بالنسبة للأميركيين هي مجرد ذريعة لاحتلال الأراضي السورية ودعم الإرهابيين، ويتم استخدامها “للتغطية على نواياهم الحقيقية”.
ويبدو الأسد مناقضا لنفسه، ففيما يعلن عدم وجود قوات لإيران في سوريا، يتحدث عن مقايضة بين انسحاب إيراني من الجنوب مقابل خروج الولايات المتحدة من التنف بالقرب من الحدود العراقية الأردنية.