هل هناك أعظم من العشق الفلسطيني؟* صالح الراشد
النشرة الدولية –
نحسبها باليوم والساعة والدقيقة ونحاول جاهدين أن نبني في كل لحظة لبنة حتى نتوج مستقبلنا بالفرح، ونرفض إضاعة الوقت الذي قلنا عنه “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”، ونُعيب على من يُهدر الوقت دون عمل محسوس، لكن في عالم الوفاء تكون الغاية من تقطيع الوقت الوصول بصمت للهدف الذي يحمل السعادة وجنون الفرح، وهذه مرحلة لا يصلها إلا عشاق الفكر والروح والقلب والأرض والوطن وطبعاً عشق الإنسان الذي يسكن الأرض والوجدان، هو العشق الذي يعادل الروح وبه ترتفع الكرامة وتزهر القلوب والنفوس والأرض ياسميناً وورداً وزيتونا.
وسمعنا من رواة القصص مئات الحكايات التي كانت تُلهب المشاعر من قيس وليلى إلى عنترة وعبلة فروميو وجوليت، ووصفنا الكثير منهم بالمجانين لكننا وقفنا مشدوهين من حجم الوفاء والحب والعشق في قصص أهل فلسطين، حتى تسائلنا هل هناك حُب في العالم كهذا الحب، هل بقي مثل هذا الوفاء في عالم أصبحت بوصلته مادية، نقولها نعم.. لقد بقي الحب والشجاعة والمروءة والوفاء في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فقصة جنان سمارة من نابلس وعبد الكريم مخضر الذي قبع في سجون الظُلم والظلام الصهيوني ثمانية عشر عاماً هزمت جميع قصص العشق، وجعلت روميو وقيس وعنترة يشعرون أنهم لم يعرفوا الحب، وسقطت جوليت وعبلة وليلى مغشياً عليهن حين شاهدن كيف انتصر الحب الفلسطيني على عشق الصحراء والقصور كون هذا الحب ارتبط بالحياة والأرض والوطن والوفاء، وسطر كتاباً في محاربة الظلم والاحتلال وكَسرِ شوكته.
رسالة جنان الأرض وكرامتها وعزتها وزخرفها وعبد الكريم لم تكن فقط حب إنساني بين روحين، بل كانت عشق وطن وإنسانية فشل الصهاينة في إنتزاعها من القلوب الفلسطينية التي تعرف معنى الحياة وتعشقها، وترفض فكر لصوص الليل في البحث عن المتوفر من فرص الحياة، فقد كان بإمكان جنان أن تتزوج وتنجب الأطفال ويكبرون معها وتنسى عبد الكريم، لقد كان بإمكانها أن تقول بأن من حقها البحث عن مستقبلها، لكنه الوفاء الفلسطيني الذي يعتبر حالة فوق الشعور البشري والإنسانية، هو الوفاء الذي يجعل الأم تحمل على رأسها جثمان إبنها الشهيد، هو الوفاء الذي يجعل الرجل يودع إبنه للقبر ويقول ” اللهم هذا خير ما لدي فتقبله مني”، ويجعل الطفلة تودع حارسها الأب وتقول ربي أخذت حارسي فأنت الحارس لي ولفلسطين.
هذا وفاء فلسطين وتاريخها وقصص الخلود فيها، فوفاء جنان وعبد الكريم حالة نادرة حين تفوقا على جنون السنين الثمانية عشر، وقبلهم تفتق الحب والعشق والإنتظار عن قصة شذى خالد وخطيبها هادي الهمشري بإنتظارهما الطويل حتى خرج من سجن الصهاينة وأقاما الأفراح وشيدا بيت الوفاء ، نعم هذا عشق أهل فلسطين الذي لا ينتهي، فهناك عشاق لوطن الأنبياء بينتظرون العودة منذ اثنين وسبعين سنة وآخرون على العهد منذ ثلاث وخمسون عاما، هم الفلسطينيون أسقطوا حساب السنين من حياتهم فالعمر بالنسبة لهم ليس دقائق أو ساعات وأيام وسنين، بل هو حق العودة للوطن السليب بعد التحرير وبعد أن يغسل ماء السماء الأرض من دنس المستعمرين لتعود أرض الطهارة نضرة مضيئة تحتضن عشاقها العائدين، فهل هناك أعظم من العشق الفلسطيني .. حقاً لا أعتقد..!!