كيف لنا نحن التونسيين أن نحمي أنفسنا من قانون “زجر الاعتداء على الأمنيين”؟* مها الجويني
النشرة الدولية –
تلقت الناشطة التونسية مريم البريبي يوم السبت الماضي اتصالاً هاتفياً من قبل الشرطة العدلية بمحافظة صفاقس لإبلاغها باتهامها بشتم وسب البوليس التونسي، حينها سألت مريم محدثها الأمني عن الموجب القانوني لتهمة “سب رجل أمن” التي بدت لها غريبة، فتلقت إجابة ملؤها الإهانات والشتائم والتهديدات إلى آخره من خطاب سوقي يحفظه كل من سبق له أن تعرض للعنف البوليسي بتونس.
لم تصدق مريم ما سمعته، فبعد ثماني سنوات من ثورة الكرامة ومسار إصلاح المنظومة الأمنية تحت إشراف الحقوقية سهام بن سدرين وحصول تونس على جائزة نوبل وبدء مسار العدالة الانتقالية لا يمكن قبول مثل ما حدث مع مريم وغيرها من المواطنين. بعدما سمعت الأمر من مريم، تصفحت الفيسبوك وتبين أن ما وقع لها أمر حقيقي، إذ نشرت الصفحة الرسمية للنقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بصفاقس منشوراً فيه إشارة لصفحتها واتهام لها بأنها تُجرم في حق رجال الأمن وتهينهم. بالإضافة إلى نشرهم صوراً لمظاهرة ضد “قانون زجر الاعتداء على الأمنيين” ناعتين المتظاهرين بالـ”همال متاع اليسار” بمعنى صعاليك اليسار وهو نعت سوقي لا يليق بصفحة تحت إشراف وزارة الداخلية التونسية.
تأتي ملاحقة مريم البريبي مع ارتفاع الأصوات الرافضة لسن قانون زجر الاعتداء على الأمنيين الذي تم تقديمه للبرلمان التونسي سنة 2015 عقب هجمات إرهابية استهدفت قوات الأمن والجيش والسياح. وجاءت مبادرة هذا القانون من أجل حماية قوات الأمن ضد الاعتداءات التي تمس من سلامتهم وسلامة عائلاتهم.
ولكن فصول القانون الخمسة عشر لا تعمل على حماية رجال الأمن من الإرهاب، بل هي بمثابة ترسانة من القوانين تهدف إلى حماية رجال الأمن من المحاسبة والملاحقة القانونية في حال ما تم استغلالهم للنفوذ بشكل غير شرعي وانتهاكهم لحقوق الإنسان، وفيه عودة للنظام البوليسي الذي ثار ضده الطلبة التونسيون في مسيرات شتاء 2010 تحت شعار “يسقط جلاد الشعب”.
عوض التكريس غير المبرر لسلطة البوليس التونسي ترى نقابة الصحافين أن التشريعات النافذة حالياً على غرار المجلة الجزائية وقانون مكافحة الإرهاب، كافية لحماية حقوق جميع الأمنيين. وتدعو النقابة إلى ضرورة صيانة الحقوق الاجتماعية للقوات الحاملة للسلاح وعلى التكفل بتعويض عادل لكل الأضرار التي تلحق بهم جراء قيامهم بواجبهم.
كذلك، عبرت العديد من المنظمات الحقوقية وخاصة نقابة الصحفيين عن رفضها لقانون “زجر الاعتداء على الأمنيين” لما فيه من حصانة مبالغ فيها لقوات الأمن وتكريس لثقافة الإفلات من العقاب، من خلال دعم حصانة وعلو رجل الأمن على غيره من المواطنين، ومنحه امتيازات غير مبررة، على غرار ما ورد في تفاصيل القانون:
يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل شخص ليست له صفة في مسك أو استعمال أو تداول سر من أسرار الأمن الوطني.
يعاقب بالسجن بقية العمر كل من تعمد حرق أو هدم مقر أسلحة أو حرق أو تحطيم عربة أو آلية تابعة للقوات المسلحة.
يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة وعشرون ألف دينار كل من هدد بارتكاب جناية أو جنحة في حق عون من الأعوان.
يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من تعمد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام.
يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة استعمال آلات التصوير والتصوير السينمائي والأجهزة الهاتفية وآلات التسجيل وأجهزة الاستقبال الإذاعي أو التلفزي داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية أو في مواقع العمليات الأمنية أو العسكرية أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات المسلحة “كما يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة كل نشر أو إحالة للأفلام أو الصور أو التسجيلات المصورة أو الصوتية التي تتم داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية أو في مواقع العمليات الأمنية أو العسكرية أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات المسلحة”.
فصول يراها العديد تعسفية ومخالفة للدستور وستؤدي إلى تقييد حرية التعبير والتفكير وحركة المواطنين. وهذا ما سيفسح المجال أمام عودة انتهاكات حقوق الإنسان التي عرفها التونسيون قبل عام 2011 تحت غطاء “الأسباب الأمنية”. في الوقت الذي يحتاج فيه المواطن التونسي إلى قوانين وتشريعات تكرس كرامة الفرد وتساهم في بناء علاقة جديدة بينه وبين سلطة الإشراف، أساسها تطبيق القانون واحترام الذات البشرية، وليس الملاحقة والعنف كما الحال مع مريم البريبري التي تدفع ضريبة رفضها لقانون زجر الاعتداء على القوات المسلحة من خلال إحالتها على القضاء التونسي بتهمة الإساءة للغير من خلال نشرها لتدوينة نشرتها قبل ثلاثة أيام من اندلاع أحداث 17 ديسمبر 2010، تاريخ يحفظ تفاصيله شباب تونس الذي تلقى الرصاص والغاز المسيل للدموع والموت على يد البوليس التونسي. ذكريات أليمة وصورة موحشة وقاتمة رسمت في أذهان ذلك الجيل الذي وقف ضد القهر البوليسي.