ماذا تعرف عن ظاهرة “التعطل الاجتماعي” تسببت في خسارة هيلاري أمام ترامب في اللحظات الأخيرة؟* صوفيا موسكالينكو

النشرة الدولية –

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، يترقب الجميع ظهور نتائج استطلاعات الرأي يومياً وأولاً بأول، كانتظار يشبه انتظار المطر في أيام تأبى الشمس فيها الرحيل. لكن هنالك الكثير من الغيوم المحدّقة بنا، غيوم على شكل عدد كبير من الهيئات التي تجري استطلاعات رأي، مثل راسموسن، وفوكس نيوز، وسي إن إن، وكوينيبياك، إن بي سي نيوز، وغيرها الكثير.

قبل عشرين عاماً، كان يتطلب جمع البيانات الانتخابية لإخراج استطلاعات رأي تعيين مجموعة من منظمي الانتخابات المدربين خصيصاً للوصول إلى الناخبين عبر الهواتف الأرضية. لذلك كان أخذ استطلاعات الرأي من الناخبين عملية باهظة الثمن، وتتطلب قدراً هائلاً من الوقت والجهد.

أما الآن، فصارت المشاركة في استطلاعات الرأي عبر الإنترنت أرخص وأسرع وأبسط من الناحية اللوجستية، كما ازداد عددها أيضاً، إذ أصبح بإمكان أي ناخب ​​الاطلاع على نتائج تلك الاستطلاعات بسهولة بالغة وقتما أراد، إلا أن معرفة نتائج الاستطلاعات قبل المشاركة فيها، غالباً ما تؤثر على السلوك التصويتي للناخب.

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، أظهرت استطلاعات الرأي أن هيلاري كلينتون تتقدم على دونالد ترامب بفارق كبير. فقبل الانتخابات بـ12 يوماً فقط، أفادت وسائل الإعلام الكبرى بأن كلينتون تتصدر في استطلاع رأي وطني واحد بفارق هائل بلغ 14%. وبناءً على تلك النتائج، توقع الخبراء فوزاً سهلاً لكلينتون. لكن في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حصلت كلينتون على 48% من الأصوات الشعبية، وخسرت أصوات المجمع الانتخابي لمصلحة ترامب.

هناك عدة تفسيرات للاختلاف اللافت بين استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات الماضية. أحدها هو تأثير إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل 11 يوماً من الانتخابات أنه قرر إعادة فتح التحقيق في رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون. جدير بالذكر أنني وزميلي كلارك مكولي كتبنا مسبقاً عن كيف حفزت الشائعات والشعارات والرموز إلى مؤيدي ترامب بينما أدت إلى اندثار الدعم لكلينتون.

لكن بالإضافة إلى ذلك، ربما أثرت استطلاعات الرأي في الناخبين، إذ شجعت ظهور ما يُعرف بـ”التعطُّل الاجتماعي” بين مؤيدي كلينتون. أي أن اطمئنان مؤيدي كلينتون لفوزها جعلهم يتكاسلون عن التصويت لها باعتبار أن أصواتهم تحصيل حاصل لنتيجة معروفة مسبقاً.

في عام 1913، لاحظ المهندس الزراعي الفرنسي ماكس رينغلمان أن العمال ينجزون قدراً أقل من العمل حين يؤدونه في مجموعات، على عكس ما يحدث عند أداء المهام فردياً. وأيد تلك الملاحظة تجاربه التي أجراها. فمثلاً أثناء سحب الحبل بصورة فردية، يبذل الأشخاص جهداً أكبر مما كانوا ليبذلوه لو اعتقدوا أن آخرين يسحبون الحبل معهم، إذ تظاهر المشاركون الآخرون في تجارب رينغلمان بشدهم للحبل دون شده بجدية، ما يعني أنه كلما كبرت المجموعة، قل الجهد الذي يسهم به كل فرد.

يسمى هذا الميل للتراخي عند العمل في مجموعة بـ”التعطُّل الاجتماعي”، الذي يقول إن الناس يصبحون أقل تحفزاً وحماسةً عندما يتشاركون المسؤولية عن المنتج النهائي مع آخرين.

ويحدث التعطُّل الاجتماعي عند أداء مهام مختلفة، وليس مجرد شد الحبل. على سبيل المثال، عندما يُطلب من المشاركين الهتاف والتصفيق، يصدر المشاركون صخباً أقل عندما يعتقدون أنهم يشكلون جزء صغير من مجموعة كبيرة، على عكس ما يحدث عندما يهتفون بمفردهم (وفقاً للاتاني وآخرين 1979). ويحدث التعطُّل الاجتماعي أيضاً خارج مختبرات علماء النفس، فقد لوحظ في أماكن العمل (وفقاً لكومير، 1995)، وفي مؤسسات التعليم العالي (وفقاً لبيزون وفيري، 2008)، وعند أداء الأعمال الخيرية (وفقاً لبينيت، وكيم، ولوكن، 2013). تشمل العوامل التي تزيد من التعطُّل الاجتماعي ضمان عدم الكشف عن الهوية، وانخفاض المسؤولية الشخصية عن المنتج النهائي، وغياب مكافأة شخصية للنتيجة.

تؤدي تلك العوامل دوراً في استطلاعات الرأي أيضاً، فهو نشاط يضمن مجهولية الشخص، مع التزامه بمسؤولية شخصية منخفضة، واحتمالية ضعيفة للحصول على مكافأة شخصية. ليس من المستغرب أن يؤثر التعطُّل الاجتماعي في السلوكيات المرتبطة بالتصويت (وفقاً لهاركنز ولاتاني، 1998).

يزداد التعطُّل الاجتماعي أيضاً عندما يكون الناس على علم بمدى إسهام الآخرين في الهدف النهائي المشترك (وفقاً لشيندلر وريس، 2017). لذا كان المشاركون الألمان أقل رغبة في مساعدة اللاجئين من تلقاء أنفسهم عما إن كانوا يعلمون تفاصيل أكثر عن البرامج المتاحة.

 

وبنفس الشاكلة، كانت كلينتون تتقدم على ترامب في استطلاعات الرأي قبل أسبوعين من انتخابات عام 2016، حتى أن الخبراء كادوا يعلنون فوزها، مما خلق ظروفاً مثالية لتولد حالة من التعطُّل الاجتماعي بين مؤيديها. لماذا قد يبذل الواحد منا جهداً والهدف صار في متناول يده بالفعل؟ ربما أدى هذا التفكير إلى بقاء الكثيرين في منازلهم يوم الانتخابات بدلاً من التصويت الفعلي.

مع وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، صار الاطلاع على نتائج استطلاعات الرأي أسهل، ما يزيد من احتمالية تأثيرها في سلوكيات التصويت تحديداً. وعندما يبدو أن مرشحاً يتقدم بفارق كبير، تلحق بيانات استطلاع الرأي الضرر الأكبر بفرص ذلك المرشح في أن يُنتخب في النهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى