تعافي ترامب وإصابة كلينتون* مرح البقاعي

النشرة الدولية –

حدثان رئيسان ميّزا مجريات أحداث الأسبوع الماضي في العاصمة الأميركية واشنطن، وتداعت لتأثيرهما الأوساط الدولية في آن.

الأول هو تماثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعافي من إصابته بجائحة كوفيد – 19 في فترة قياسية، وإعلان طبيب البيت الأبيض الخاص شون كونلي عن إمكانية عودة الرئيس إلى نشاطه العام وفعاليته في حملته الانتخابية لأنه لم يعد، فيزيائيا، ناقلا للعدوى بفايروس كورونا المستجدّ.

سرعة شفاء الرئيس الأميركي إثر إصابته بالفايروس القاتل، والذي قضى على أكثر من مليون ضحية في العالم حتى تاريخ كتابة هذه السطور، وأصيب به 27.6 مليون من البشر، كانت مسار أخذ وردّ بين المشكّكين أصلا بإصابته بالمرض، وهم من فئة معتنقي نظرية المؤامرة، الذين يعتقدون أن الرئيس ومعاونيه ابتدعوا هذه الحكاية لهدفين، الأول هو توجيه الأنظار عن بايدن الذي بدا متقدما بالاستطلاعات الشعبية عن ترامب بفارق يتّسع باطراد، والثاني هو إثارة عاطفة الجمهور الأميركي وجذبه للتعاطف مع رئيسه المصاب، وكلا السببين غير مقنع حُكما لأي عاقل، فإمكانية التلاعب في التقارير الطبية تنعدم إلى درجة الصفر في هذه الحالة، ومرض الرئيس لا يثير استعطافا شعبيا بالضرورة، وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن الحالة الشعورية العارضة تلك لن تؤثر على رأي الناخب الأميركي، الذي تحكمه قناعاته السياسية بالمرشح الذي سيقدّم له البرنامج الأفضل لحياته اليومية ومستقبل أولاده.

من الضرورة أن نذكر في هذا السياق، وبشكل مقتضب تقتضيه الدقة، تفصيلا طبيا عن العلاجات التي تناولها ترامب حين دخل مركز وولتر ريد الصحي العسكري، في الساعات الأولى لاكتشاف أطبائه إصابته بفايروس كورونا.

يبدو أن مضادات الأجسام المناعية ستكون أول خطوة واثقة في علاج كوفيد – 19، وهي كانت الحاسمة في تسريع شفاء الرئيس خلال خمسة أيام فقط من بدء العلاج. وبناء على طلب الرئيس، وبتوقيعه على شهادة شخصية بأنه سيتناول هذا الدواء الذي مازال تحت التجربة على مسؤوليته، فقد قام الأطباء في وولتر ريد بإعطاء الرئيس مقدار 8 غرامات من “ريجينيرون” عن طريق الوريد.

وهذا الدواء خليط من اثنين من مضادات الأجسام، التي تعمل على قتل وتحييد الفايروسات الموجودة في جسم الإنسان المصاب. أحدها مأخوذ من مصل شخص سبقت إصابته بالفايروس، والآخر مطور في مصل فئران التجارب. سبق وأن أظهر الدواء فعالية واضحة بتجربته على 275 مريضا، ومازال قيد البحث والتجريب على 2000 مريض آخرين، ولم توافق عليه منظمة الدواء والغذاء الأميركية بعد.

العلاج الثاني “ريمديزيفير” وهو دواء حديث يوقف نمو الفايروسات وتكاثرها بجرعة 200 ملغ، تؤخذ على دفعتين، بطريقة الحقن الوريدي.

معروف أن نسبة الوفاة أعلى عند المتقدمين في العمر، وكذلك عند البدناء، خاصة الذكور منهم، وهذا ينطبق على ترامب البالغ من العمر 74 عاما، لذلك تم إعطاؤه، إضافة إلى الأدوية السابقة، أدوية أخرى داعمة مثل “الدكساميثازون” وهو مضاد للالتهاب، وفيتامين د، ومركبات الزنك ومضادات الحموضة لحماية المعدة.

يبقى أن نسجل جرأة ترامب، وموافقته الخطية للخضوع لعلاج مازال قيد التجربة.

وهو موقف يضعه في موقع القائد لا الرئيس، القائد الذي يتقدم الجماهير، ويعرض نفسه لنفس المخاطر التي من الممكن أن يتعرض لها شعبه.. وهذا موقف يحسب له لا عليه، وأعتقد أنه لم يكن محظوظا فقط ليربح هذا الرهان، بل كان أيضا على دراية وعلم بحيثيات احتمالات نجاح هذا العلاج، وحيثيات خطورة عدم المجازفة به. فهو يعلم تماما عوامل الخطورة في أن يصاب “رجل متقدم بالسن” و”بوزن زائد” بفايروس كورونا، وأن نسبة الوفيات في ظل هذه العوامل هي أكثر من خمسة بين كل مئة مصاب.. وهذا رقم كبير نسبيا.

أما عن رأيي، كامرأة سورية أو عربية من منطقة الشرق الأوسط، في قضية انتخابه، فهي ودون أدنى شك مع إعادة انتخابه للأسباب التالية:

بعكس الموقف الملتبس للديمقراطي جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الضعيف والمتردد، صاحب الخطوط الحمراء التي انتهكت، هناك وضوح بارز في موقف ترامب تجاه إيران، عدونا الأول في الشرق الأوسط، إيران التي عاثت فسادا وقتلا، ليس في سوريا فقط، بل وفي العراق ولبنان واليمن. وطالت اعتداءاتها الكويت والبحرين وحتى السعودية.

إيران التي سعت في السنوات القليلة الأخيرة، ومازالت تسعى، لإحداث تغيير ديموغرافي خطير في المنطقة، عجزت عنه إسرائيل خلال 50 عاما، تغيير لو قيض له أن يتم، سيهدد المنطقة كلها بحروب قد تستمر لأكثر من مئة عام.

في ولايتهم الثانية، إذا ما تمت إعادة انتخابهم، معظم رؤساء الولايات المتحدة يصبحون أكثر حكمة ووعيا والتزاما بالقرارات الدولية وإرساء السلم العالمي. ولعل المصالحات التي بدأها ترامب بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، قد تكون إشارة هامة تصب في مصلحة السلام في الشرق الأوسط.

يبقى أن يعي العرب هذه اللحظة التاريخية، فيقتنصوا الفرصة، دون التنازل عن حقوقهم المشروعة في أراضيهم المحتلة بعد 67، وثباتهم على مبادرة السلام العربية التي قبلها معظمهم ووافق عليها.

أما الحدث الثاني، فهو إصابة هيلاري كلينتون، ليس بالفايروس الصيني، بل بجائحة الآلاف من الرسائل الإلكترونية، بعد أن رفع الرئيس ترامب السرية عنها، والتي وضعت منافسه جو بايدن في زاوية لا يحسد عليها، لما فيها من معلومات موثقة ترتبط بمرحلة كان بايدن فيها نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما لمدة 8 سنوات.

إصابة كلينتون مازالت مبكّرة، للحديث عن تعاف، ولا نعرف أي مضاد سياسي سيساعد في تعافيها أو تعافي حزبها، الذي يمثله المرشح المنافس للرئيس ترامب، ونحن على بعد أسابيع معدودات من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button