الوفود الشعبية الكويتية.. بداية التحرير!..* محمد عبد المجيد

النشرة الدولية –

كل الشعوب التي تعرضت للاحتلال وتحررت بعدها تقيس بداية التحرير بصلابة خط الدفاع، وقد تكون عدة خطوط للدفاع في أزمنة متقاربة، لكنها تتقاسم مقاومة الاحتلال وبهجة النصر لاحقا!

في قناعاتي اليقينية أن خط الدفاع الأول ضد الغزو الصدامي الغاشم كان رفض وزير الدفاع آنذاك سمو الشيخ نواف الأحمد (صاحب السمو الأمير) الانسحاب أمام جحافل الغزو وغدر الجار الشمالي قبل الاطمئنان على آخر جندي كويتي، ولولا إلحاح سمو الشيخ سعد العبدالله – ولي العهد رئيس ومجلس الوزراء، رحمه الله، آنئذ أن يبدأ الجيش الكويتي المقاومة من الحدود السعودية لاستمر صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، ثابتا في موقعه لا يبرحه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وقد يكون خط الدفاع الأول ممثلا في المقاومة الكويتية الباسلة في الثامنة من صباح يوم الغزو، كما شاهد سفيرا الهند والنرويج من مكانيهما وأثبتاه!

وخط الدفاع أيضا كان المغفور له بإذن الله، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، الذي وضع بصماته على التحرير قبل انطلاقه بوقت طويل، بتوجيهاته للديبلوماسيين كعميد الديبلوماسية العربية ووزير للخارجية وصديق شخصي لمعظم صناع القرار في العالم، ودوره الشجاع في مؤتمر القاهرة مفندا أكاذيب الوفد العراقي.

وكان سمو الشيخ ناصر المحمد (رئيس الوزراء الأسبق) منذ اليوم الأول للغزو داعما لتوجهات الدولة في التحرير، خاصة وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهو أيضا صاحب أكبر علاقات اجتماعية في الكويت وخارجها.

وكان الرائع والمثقف والدمث الخلق الأستاذ سليمان ماجد الشاهين دينامو الوزارة الذي حظي بثقة سمو الشيخ صباح الأحمد (رحمه الله) طوال سنوات عمله معه.

وقد تكون السعودية الشقيقة التي فتحت أرضها الواسعة للكويت شرعية وجيشا وشعبا وكانت (الطائف) مركزا للمقاومة الشرعية، فمن هناك تم تنظيم دولة في الخارج، وشعر كل كويتي في الداخل أن لشرعية وطنه مكانا ثابتا ولو كان مؤقتا تدار منه شؤون الدولة الصغيرة المحتلة.

وقد يكون خط الدفاع أيضا العمل الديبلوماسي والإعلامي الذي قام به السفيران غازي الريس في لندن والشيخ سعود ناصر الصباح في واشنطن وانتهى إلى تحالف 34 دولة لتحرير الكويت.

وقد يكون خط الدفاع استحالة عثور أشاوس صدام حسين على متعاون كويتي واحد، فبدأ تحرير الكويت إثر الغزو الآثم مباشرة ولو جاء بعد سبعة أشهر.

ولكن سيظل مؤتمر جدة في منتصف أكتوبر 1990 ممثلا للصورة الأوضح لتكاتف دولة بكل فئاتها وطبقاتها وتوجهات أبنائها لتحرير الوطن الصغير ففيه:

تم اتخاذ قرار إرسال الوفود الشعبية الكويتية لتجوب العالم برمته، من أصغر بلاده إلى أكبرها، لشرح قضية العدل والحرية وظلم الجار الذي غدر بجارته الصغيرة فجر الثاني من أغسطس 1990.

٭ اتخاذ قرار من المغفور لهما بإذن الله سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وسمو ولي عهده رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، (رحمهما الله) بأن أموال آل الصباح الكرام هي أموال الشعب الكويتي حتى يتم التحرير.

٭ في مؤتمر جدة اختفت نهائيا كلمة (المعارضة الكويتية) التي اقتحمت الساحة السياسية الكويتية قبيل الغزو العراقي، وظهر الكويتيون كشعب متناغم وحدويا ومتآلفا ومصرا على تحرير بلده بأي ثمن.

٭ قوافل الوفود الشعبية الكويتية التي أحسن اختيارها كانت على مستوى المسؤولية، وعرفت الدنيا بقضية بلدهم، وعدالة إخراج جنود صدام حسين، فالكويت لا تتحمل احتلالا لعشر سنوات أو مائة عام كغيرها من الدول التي ابتلاها الاستعمار بأقدامه الهمجية.

من حسن حظ النرويج استقبالها وفد شعبي كويتي برئاسة الشيخ سلمان دعيج الصباح وزير العدل الأسبق وعضوية وزير التربية الأسبق أنور النوري (رحمه الله) وفيصل المطوع وعلي رشيد البدر ود.عبدالمحسن المدعج.

في أقل من أربعة أيام بدأت في 15 ديسمبر 1990 في العاصمة أوسلو، كان الخمسة خلية نحل تعرض أقبح احتلال غادر عرفته المنطقة، فعرضوا قضية وطنهم بلغة سلسة وسليمة ومعلومات موثقة وحماس لا يتوقف لأخذ أنفاس في برودة الشمال، ونجح أعضاء الوفد الشعبي الكويتي في رفع أسهم بلدهم وإسقاط أي حجة صدامية مهترئة، حتى أن التلفزيون النرويجي استضاف على غير العادة الشيخ سلمان دعيج الصباح في بداية نشرة أخبار ليعرض قضية بلده الصغير المحتل، وكان رائعا بكل المقاييس.

كان الوفد يتنقل من مدرسة ثانوية إلى وزارة الخارجية، ومن وزارة النفط إلى جامعة أوسلو، ومن لقاءات إعلامية إلى نظيرتها الديبلوماسية، واستقبل سفير مصر د.السيد شلبي والسفير سليمان عواد أعضاء الوفد.

وتم توزيع آلاف النسخ من خريطة الكويت بدون أكاذيب نظام المهيب المهزوم.

أكتب هذه الكلمات مؤكدا للجيل الكويتي الشاب والذي لا يعرف أدوار البطولة ومن الذي قام بها خلال الشهور السبعة الجحيمية.

أشير أيضا إلى أبطال لعبوا أدوارا متفرقة وغير مرئية منهم السفير (لاحقا) وليد الخبيزي ووزير الإعلام الأسبق بدر جاسم اليعقوب والمرحوم رضا الفيلي والسيدة أمل الحمد (إحدى ركائز الإعلام الكويتي خلال أكثر من ثلاثين عاما) والمرحومة هداية سلطان السالم التي كانت تخبئ أسلحة للمقاومة الكويتية، وسفير الكويت في البرازيل فيصل راشد الغيص الذي كان يحاور رجال صدام حسين في أميركا اللاتينية ويفند أكاذيبهم.

ليست هناك ذرة خجل في هذه الشهور السبعة المؤلمة، ومعظم دول العالم تعرضت لاحتلال، ولكن كم دولة تحررت بعد سبعة أشهر حتى لو خسرت ثلث ثروتها في النهب وإحراق قوات الغزو لآبار نفطها، والثلث الثاني في نفقات التحرير!

تحية من القلب بعد ثلاثين عاما من مؤتمر جدة لكل أعضاء الوفود الشعبية الكويتية ودعائي إلى الله أن يرحم من هم في ذمة رب العزة.

وأن يرحم الشهداء الذين اختطفتهم قوات الغزو من الديرة، وطال عذاب أمهاتهم وآبائهم، ثم قام نظام الغدر بتصفيتهم.

وللذين خرجوا من بطون أمهاتهم بعد عام 1990 أطالبهم بقراءة التاريخ الحديث لآبائهم وأمهاتهم الذين واجهوا بشجاعة في الداخل والخارج نظاما شرسا بقيادة شيطان بغداد.

طائر الشمال ـ عضو اتحاد الصحافيين النرويجيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button