سعران لليرة بعد خفض سقف السحوبات.. “عملة جديدة” في لبنان

“لبنان 24” – ترجمة فاطمة معطي –

النشرة الدولية –

بعدما حُرم المودعون من دولاراتهم، قرّر عدد من المصارف خفض سقف سحوبات الليرة في خطوة ستزيد وضع اللبنانيين الاقتصادي تعقيداً، لتزامنها مع تخطي معدل تضخم الأسعار السنوي حاجز 112% على أساس سنوي في تموز وتسجيل الدولار 8200 ليرة في السوق السوداء. المصارف تقول إنّ “الإجراءات مؤقتة” وتساهم في “تنظيم وضبط السوق”، إلاّ أنّ خبراء اقتصاديين يحذرون من بروز “سوقيْن” للعملة الوطنية، بحيث تفوق الليرة النقدية الليرة المودعة في المصارف قيمة.

في تقرير لها، نقلت صحيفة “ديلي ستار” عن رئيس مجلس إدارة مصرف لبناني بارز قوله: “يحاول حاكم المصرف المركزي إبلاغنا أنّه يمكن لكل مصرف استخدام الليرات الورقية استناداً إلى حجمه”، مضيفاً: “أخبرنا المصرف المركزي أنّه في حال تخطي المصرف حاجز السحوبات المحدد لشهادات الإيداع وسندات الخزينة والحسابات الجارية، عندها سيُضطر المصرف المركزي إلى معاقبة المصرف الذي يتخطى السقف المسموح”. وحذّر رئيس مجلس إدارة المصرف البارز من أنّ هذا القرار “سيؤثر في المودعين وسوق التجزئة”، موضحاً أنّ “المصارف ستُضطر إلى خفض سقف السحوبات النقدية بصورة شهرية”.

وتعليقاً على خفض سقوف السحوبات وقيام “المركزي” بتحديد سقوف المبالغ الممكن للمصارف التجارية سحبها بالليرة، أصدر الحاكم رياض سلامة بياناً الأربعاء الماضي، أوضح فيه أنّ “الآلية التي اعتمدها هي وضع سقوف للمصارف لما يمكن أن تسحب من حسابها الجاري لدى مصرف لبنان. وعند تخطّي هذه السقوف تُحتسب المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المُجمّدة لدى مصرف لبنان. ولذلك ليس هناك أي سقف للمبالغ الممكن سحبها من مصرف لبنان. وعندها يكون مصدر التمويل لهذه السيولة مختلفاً، ما يعني أنّه ممكن أن يتمّ السحب من الحساب الجاري لحدّ سقف معيّن، وما يفوق هذا السقف من شهادات إيداع أو من الودائع لأجل”.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الأخبار” فإنّ “المركزي” يقول إنّه لا يمنع المصارف من سحب المبلغ الذي تُريد من الليرات الموجودة لديه “لكنّه أرسل إليها كتاباً يُحدّد فيه السقف الأعلى للسحوبات ممّا يُسمّى “الحساب الجاري”، تتراوح بين 2 مليار ليرة و5 مليارات ليرة شهرياً، تتفاوت بحسب حجم رأسمال المصرف. في السابق، كانت المصارف تحصل على ما تُريد من هذا الحساب. أما الآن، وفي حال أرادت المصارف الحصول على كمية أكبر من الليرات لتغطية طلبات زبائنها، فستُشطب كلّ زيادة إما من حسابات المصارف المُجمّدة لدى “المركزي” وكانت تحصل مقابلها على فوائد مرتفعة، أو من الديون التي أقرضتها لمصرف لبنان، أو من شهادات الإيداع”.

وفي حين خفّضت مصارف سقف السحوبات الشهرية لتتراوح بين مليوني وأربعة ملايين ليرة كحد أقصى، أكّدت مصارف بارزة أنّ قرار خفض سقف سحوبات الليرة لم يُتخذ بعد، إلاّ أنّها حذّرت من أنّها قد تُضطر إلى خفض سقف السحوبات بشكل كبير إذا ما تهافت المودعون وبدأوا يسحبون فجأة مبالغ طائلة و”غير منطقية”؛ علماً أنّ المصارف كانت تسمح للمودعين بسحب 25 مليون ليرة شهرياً كحد أقصى قبل قرار خفض سقف السحوبات.

من جانبه، رأى مصرفي في حديث مع “ديلي ستار” أنّ سلامة يريد التوقف عن طباعة كميات كبيرة من العملة الورقية، بما يمنع التجار من استخدام فائض الأوراق النقدية لشراء الدولار من السوق السوداء. وقال المصرفي: “لست واثقاً من أنّ فكرته ستنجح”، محذراً من أنّ هذه القرار قد “يدفع التجار والمودعين إلى سحب كل أموالهم، وفي حال حصل ذلك، فستُضطر المصارف إلى فرض قيود أكثر تشدداً على سحوبات الليرة”.

وتشير الأرقام إلى أنّ “المركزي” زاد قيمة الليرات المتداولة بنسبة 125% ابتداء من مطلع العام 2020، أي أنّه ضخ 13 تريليون دولار في السوق في غضون 10 أشهر فقط، وهو ما يتخطى إجمالي الليرات المطبوعة من العام 1977 حتى نهاية 2019.

في تعليقه، دعا الخبير المالي دان قزي إلى فهم أهداف اللاعبين وصناع القرار، مشيراً إلى أنّ سلامة “يسعى إلى إطالة عمر الاحتياطي (الإجمالي) المتبقي المقدّرة قيمته بـ18 مليار دولار، لأطول فترة ممكنة، حتى انتهاء ولايته بشكل مؤكد”. وأوضح قزي أنّ الاحتياطي يشمل بشكل أساسي الدولارات المتدفقة إلى الخارج لتغطية كلفة الدعم، الذي يشكل الوقود القسم الأكبر منه.

وتابع قزي: “حاول (سلامة) كخطوة أولى رفع الدعم عن المحروقات لكنه واجه معارضة شعبية واسعة، كما وقف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في وجهه”، مضيفاً: “قرر (دياب)، من وجهة نظره- وهذا مبرر إلى حدّ ما- عدم تحمّل ملامة إضافية على قرارات من هذا النوع، وترك الحكومة المقبلة تتحمّل العبء، لذا وقف في وجه خطة الحاكم. عندها سلك الحاكم طريقاً مختلفاً، فأجبر المستوردين الذي يستفيدون من الدعم على سعر دولار محدد عند 1515 ليرة على دفع ثمنه نقداً، أي ما يعادل نظرياً مليارات الدولارات”. وشرح قزي: “امتص هذا القرار الليرات كلها من السوق. وبالتالي، يخيّر الحاكم الناس بين الاستمرار في الحصول على الوقود بأسعار متدنية باستخدام ليراتهم المحدودة أو استخدامها لشراء سلع أخرى”، مضيفاً: “يرشّد (القرار) إنفاق الناس إلى حدّ ما. لذا، بدلاً من خفض قيمة الليرة وبالتالي خفض قدرة اللبنانيين العاديين الشرائية، من شأن وضع قيود على توافر الليرة أن يحقق الهدف نفسه”. واعتبر قزي أنّ المسألة تنطوي بشكل أساسي على استبدال السياسيات الحكومية بأدوات نقدية بهدف تحقيق التغيير السلوكي الذي ينشده سلامة لدى الناس وخفض الاستهلاك، وبالتالي تدفق الدولار إلى الخارج.

ولكن سرعان ما حذّر قزي من تداعيات خفض سقف السحوبات، قائلاً: “تشمل الآثار الجانبية استحداث تفاوت بين قيمة الليرة النقدية والليرة المصرفية (أسماها بيرة مستعيراً حرف الباء من “بنك”)، لذا لن أتفاجأ إذا ما بدأ التداول بالليرة عند 1.25 بيرة أو 1.5 بيرة”. بمعنى آخر، سيلاحظ اللبنانيون فرقاً بين قيمة الليرة المصرفية- التي يعجز المودع عن سحبها بسبب سقف السحوبات، والليرة النقدية، فتعادل كل ليرة نقدية 1.25 ليرة أو 1.5 ليرة مودعة في المصرف، مثلما يفوق الدولار النقدي الدولار المحجوز في المصرف قيمة.

قبل “البيرة” كان “اللولار”

سبق لقزي أن ابتكر مصطلح “لولار” للإشارة إلى الدولار المحجوز في المصارف. وكما “البيرة”، يُعتبر “اللولار” أقل قيمة من الدولار لعدم قدرة المودع على التصرف به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button