بعد سنة.. لا إنصاف لضحايا الاحتلال التركي لمناطق في شمال شرقي سوريا
النشرة الدولية –
بعد مرور عام على الهجوم الذي شنته القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري المتحالفة معها على المدن والمناطق في سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض في شمال شرقي سوريا. وبينما أدانت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الانتهاكات التي نتجت عن الغزو، لم يطرأ أي تحسن على الوضع الإنساني في تلك المناطق.
حيث تنتهك تركيا بشكل متواصل اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 17 تشرين الأول/ أكتوبر بين تركيا والولايات المتحدة، وتواصل فصائل الجيش الوطني في المناطق التي تحتلها تركيا عمليات النهب والتعذيب والخطف دون عقاب.
حتى الفظائع التي استقطبت أكبر قدر من الاهتمام والإدانة الدولية مرت دون عقاب. ففي 12 تشرين الأول / أكتوبر 2019، سُحِبَت هفرين خلف، الأمين العام لحزب سوريا المستقبل، من سيارتها المُصفّحة، وتعرّضت للضرب مع سائقها، ومن ثم القتل العمد على أيدي عناصر جماعة أحرار الشرقية المدعومة من تركيا، بالإضافة إلى أسر مدنيين آخرين كانوا برفقتها من قبل تلك الجماعة.
وقد تم تصوير عملية الإعدام الوحشية وبثها لكل العالم، واعتبرت وسائل الإعلام التركية عملية قتل هفرين خلف أنها “عملية ناجحة”، فيما أدانت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية تلك العملية باعتبارها جريمة حرب.
أصبح الحادث رمزاً لمدى تراجع المعارضة السورية عن أهدافها لعام 2011 والاضطهاد الذي يواجهه المدنيون تحت الاحتلال التركي. بعد عام واحد، يبدو أن رد الفعل الدولي يظهر مدى ضآلة المساءلة التي يمكن أن يتوقعها ضحايا الجرائم التركية والجيش الوطني السوري.
كشفت صحيفة ناشيونال إنتريست منع جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة بشأن سوريا، الجهود الرسمية المبذولة لإدانة الحادث عند وقوعه، مما أثار تساؤلات حول سبب قيام حكومة أجنبية بالتدخل في فظائع شاهدها المجتمع الدولي على شريط فيديو.
اليوم، يبدو أن كلاً من حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة متفقان على أن فرداً واحداً فقط قد تمت محاسبته محلياً على الجريمة. قال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع “المونيتور” في أيار/ مايو إنهم “كانوا على دراية بفرد واحد ينتمي إلى أحرار الشرقية تمت مقاضاته حتى الآن لقتله مدنيين عزل خلال عملية نبع السلام”.
في أيلول/ سبتمبر، أشارت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن سوريا إلى أن “أحد عناصر اللواء 123 (أحرار الشرقية) حكم عليه من قبل محكمة عسكرية تابعة للحكومة السورية المؤقتة بتهمة القتل المتعمد لهفرين خلف وآخرين.”
ولا يزال أفراد آخرون متورطون في جريمة القتل يتنقلون بحرية، مما يشير إلى أن المحاكمة كانت على الأرجح مجرد صفعة على المعصم حتى تتمكن المجموعة من التملص من الضغط الدولي.
وتظهر منشورات على فيسبوك أن الحارث رباح، وهو مصور لأحرار الشرقية، وهو الذي صور إعدام المعتقلين الكرد، لا يزال يتنقل بحرية بين المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا وفي تركيا نفسها. حيث شوهد في الذكرى السنوية لعملية القتل، وهو يتسوق في مركز تجاري في مدينة أورفا التركية.
إذا قوبلت مثل هذه القضية البارزة بإجراءات دولية محدودة وجهود محلية محدودة للمساءلة، فمن الصعب تصديق أن مرتكبي الانتهاكات شبه اليومية، التي تحدث في المناطق التي تحتلها تركيا دون تركيز وسائل الإعلام العالمية عليها، سيتم عرضهم للعدالة على الإطلاق..
معظم الجرائم التي تستهدف المدنيين في المناطق التي تحتلها تركيا مثل سري كانيه وتل أبيض وعفرين لا يتم الإعلان عنها خارج وسائل الإعلام المحلية ومراقبي حقوق الإنسان المحليين. ولا يتم الإبلاغ عن الكثير منها، حيث يخشى الضحايا الانتقام بسبب التحدث على الإعلام.
في مثال واحد فقط، تم تجاهل النمط السائد لعمليات الاختطاف والاختفاء في المناطق المحتلة، خارج الدوائر الكردية حتى تم تحديد موقع العديد من المعتقلين الذين فقدوا منذ ما يقرب من عامين. وتم الكشف عنها في مقطع فيديو. لم يؤد الدليل المرئي لوقوع مثل هذه الحوادث إلى تغيير في السلوك: تم إطلاق سراح واحد فقط من المعتقلين الذين شوهدوا في الفيديو، وما زالت عمليات الخطف مستمرة حتى يومنا هذا.
يشكل هذا النمط من التنصل من العقاب سابقة مقلقة لضحايا الجرائم الماضية والجارية في المناطق المحتلة. كما أنه يثير تساؤلات حول مدى جدية المجتمع الدولي في محاسبة تركيا والجيش الوطني السوري، وهو اعتبار مهم بالنظر إلى الأهمية المتزايدة للمحاكمات الدولية عندما تخذل العدالة المحلية الضحايا السوريين.
تُظهر محاكمات فظائع داعش والنظام السوري التي بدأت تحدث في أوروبا أنه عندما تتخذ الدول الخارجية إجراءات، يمكنها محاسبة مجرمي الحرب عندما لا يقوم أي لاعب آخر بذلك. فإذا تم رفض هذا الخيار حتى على المدنيين في شمال شرقي سوريا، فمن غير المرجح أنهم سيرون العدالة على الإطلاق.
إن الرغبة في استرضاء تركيا أو تحقيق الأهداف الوهمية الحالية لجماعات المعارضة المسلحة لا ينبغي أن تمنع المجتمع الدولي من الاستجابة لأزمة إنسانية وإنهاء حالات التنصل من العقاب على الفظائع.
ولكن ولسوء الحظ، إن كان انقضاء سنة على عملية “نبع السلام” مثالاً على ذلك، فيبدو أن هذه الحسابات السياسية قد فاقت العدالة، في خيانتها لسكان سري كانيه وتل أبيض وعفرين مرة أخرى.