وداعا إبراهيم العابد* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
بالرحيل المفاجئ للإعلامي الكبير إبراهيم العابد، تطوى صفحة من صفحات الإعلام بدولة الإمارات العربية المتحدة، والعالم العربي. فمنذ ما يزيد عن أربعة عقود، ظل إبراهيم العابد جزءا أصيلا من المشهد الإعلامي الإماراتي، سواء على صعيد بناء المؤسسات والتشريعات الرسمية، أو على صعيد أسلوب صياغة المحتوى الإعلامي الذي كان مواكبا لمراحل تاريخية مهمة، سواء في حياة دولة الإمارات، أو في حياة المنطقة.
جاء إبراهيم العابد لدولة الإمارات للمرة الأولى محاضرا، ضمن الموسم الثقافي الذي كانت تنظمه سنويا في ذلك الوقت، وزارة الإعلام والثقافة الإماراتية. كان آنذاك شابا في الثلاثينات من عمره، لكنه بدا أكبر سنا، وأكثر نضجا من مظهره، إذ استطاع في تلك المحاضرة، أن يلفت الانتباه ويشد الجمهور، من خلال عرض منظم للنقاط الأساسية التي تضمنتها المحاضرة، قبل أن ينتقل لشرح أبعادها بشكل مرتجل، مستشهدا طوال الوقت بمعلومات غزيرة، من مصادر عربية وأجنبية مختلفة، أكدت سعة الاطلاع، وأظهرت متابعة لافتة للمستجدات.
بعد أشهر من تلك المحاضرة، تعاقدت معه وزارة الإعلام والثقافة الإماراتية؛ ليبدأ العابد فيها مسيرة عمل طويلة بدأها بالإسهام بتنظيم دوائر وأقسام وزارة الإعلام والثقافة، التي كانت تشغل مكاتب صغيرة في بناية سكنية، ثم تلا ذلك البدء ببرنامج طموح لتطعيم تلك الدوائر بعناصر وطنية. وفي كلا المجالين كانت مساهمة إبراهيم العابد، تأخذ طابع التأسيس، إذ لم تكن هناك تقاليد إعلامية واضحة، ولم تكن ثمة تشريعات ناظمة يمكن اعتبارها مرجعيات لما يُستحدث من تطوير وما يوضع من خطط.
كانت المهمة الأولى بعد تعيينه رسميا بوزارة الإعلام، المساهمة في تأسيس إدارة الإعلام الخارجي، التي أصبح فيما بعد رئيسا لها، وكانت مهمة هذه الإدارة التعريف بدولة الإمارات العربية المتحدة ككيان سياسي جديد، وتجربة اتحادية عربية فريدة، وكمسيرة تنموية طموحة، بالإضافة إلى محاولة مد جسور مع الإعلام العربي والدولي.
وقد استطاع إبراهيم العابد خلال فترة قصيرة ترك بصمات واضحة في هذه المجالات، تجسدت في بناء شبكة علاقات واسعة مع مؤسسات ورموز إعلامية عربية وأجنبية، شكلت منذ ذلك الوقت حاضنة للخطاب الإعلامي الإماراتي.
لم يكن الإعلام ديكورا للدولة الجديدة، بل جزءا أصيلا من برنامج التطوير الشامل الذي كانت تعيشه دولة الإمارات منذ قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971 ، حيث كان مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يركز على المستوى المحلي، على دور الإعلام في ترسيخ مفاهيم الاتحاد، وتأمين المشاركة الوطنية الواسعة في برامج التطوير. وعلى المستوى الإقليمي والدولي بناء علاقات متوازنة تسمح لدولة الإمارات باحتواء التحديات التي كانت تواجهها التجربة الاتحادية في ذلك الوقت.
وقد رسم هذان البعدان للخطاب الإعلامي أسلوب عمل إبراهيم العابد، الذي وجد نفسه على تماس مباشر ، وصلة وثيقة بكافة مفاصل الحياة الرسمية أشخاصا ومؤسسات، باعتبار ذلك من مستلزمات وعناصر بناء خطط إعلامية مستنيرة، غنية بالمعلومات، وقادرة على التأثير.
في عمله التالي كمدير لوكالة أنباء الإمارات، أعطى العابد لدوره الإعلامي طابعا ميدانيا، من خلال الدور الذي أخذت تلعبه الوكالة في تغطية ومتابعة أنشطة الوزارات والدوائر والمؤسسات المحلية، وتأمين قاعدة بيانات ومعلومات لوسائل الإعلام الأجنبية.
لم يرتبط إبراهيم العابد بالإعلام بإعتباره وظيفة، بل كميدان واسع، تنقّل فيه من مؤسسة لأخرى ومن مجال لآخر وواكب فيه تطور تقنيات الإعلام الحديثة ومضامينها، وعايش ما يستجد في هذا المجال كدارس مثابر، ليحول معارفه الجديدة بسرعة إلى برامج وخطط عمل يومية.
ورغم الحضور الكبير لإبراهيم العابد في جميع المحافل الإعلامية المحلية والعربية والدولية، إلا أنه لم يشخصن هذا الحضور، وظل تركيزه الدائم منصبا على محتوى ومضامين الخطاب الإعلامي، إيمانا منه بأن الزبد يذهب جفاء، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض. رحم الله أبا باسم الإعلامي الخبير والإنسان الكريم.
نقلاً عن موقع “إرم” الإخباري