من إيران وصولاً إلى الخليج.. هكذا ستؤثر الانتخابات الأميركية على المنطقة

النشرة الدولية –

“لبنان 24” – ترجمة فاطمة معطي –

تفضّل الدول الخليجية فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية عموماً، إذ يسهل التعامل معه باعتباره قائداً حالياً وملتزماً بوجهة النظر القائلة إنّ السعودية وسواها من دول مجلس التعاون الخليجي تمثّل حلفاء استراتيجيين من جهة، والمعترفة بوجود مصالح أميركية حيوية في المنطقة تحتاج إلى حماية من جهة ثانية. هذا ما خلص إليه المحلل اللبناني برنار هيكل في قراءة معمّقة لتداعيات الانتخابات الرئاسية الأميركية على دول مجلس التعاون الخليجي. هيكل الذي حذّر من أنّ فوز بايدن سيزعزع استقرار الشرق الأوسط لأنّه سيعمل على تقليل اعتماد الدول الخليجية على الولايات المتحدة كحليفة، استعرض مقاربات ترامب والمرشح الديمقراطي للاتفاق النووي الإيراني وانعكاسات التطبيع الإماراتي والبحريني.

في ما يتعلق بإيران، لم يستبعد هيكل مواصلة ترامب السعي إلى ترتيب لقاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني، كـ”خطوة دعائية”، مؤكداً أنّ الرئيس الأميركي لن يخفف العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ما لم تتم إعادة التفاوض والتوصل إلى اتفاق موسع يتخطى نطاقه المسائل النووية.

ورأى هيكل أنّه سيتعيّن على إيران عندئذ تقديم تنازلات كبيرة تشمل خضوعها لقيود على إنتاج الصواريخ الباليستية والمسيّرات وصواريخ الكروز، وخفض دعم الحوثيين و”حزب الله”، إلى جانب قيود إضافية على برنامجها النووي. وعلّق هيكل على فرص نجاح التوصل إلى اتفاق جديد قائلاً: “يشمل كل هذا تضحيات كبرى لإيران، وبالتالي فإنّه من غير المرجح إبرام اتفاق جديد مع ترامب”.

ولكن ماذا لو فاز بايدن؟ يرى هيكل أنّه لا يمكن اعتبار استئناف العمل بالاتفاق النووي أمراً “مفروغاً منه”. فعلى الرغم من رغبة الديمقراطيين في إعادة الانضمام إلى الاتفاقية، لن تتصف هذه الخطوة بالسهولة، إذ ستصّر إيران على مجموعة من الشروط لا يستطيع بايدن الموافقة عليها بسهولة، بحسب ما يقول هيكل.

أولاً، ستطالب إيران بـ”شكل من أشكال التعويض”، بل “سيصرّ الحرس الثوري الإيراني الذي يستعد لبسط سيطرته الكاملة على النظام” على ذلك، بحسب ما كتب هيكل.

ثانياً، قال هيكل إنّ بايدن لن يكون قادراً على التظاهر بأنّ الاتفاق الجديد مع إيران سيساعد على تغيير طبيعة النظام الإيراني، لا سيما في ظل سيطرة الحرس الثوري. ولتوضيح وجهة نظره، عدّد هيكل مجموعة من الأسباب، أوّلها أنّ عدداً كبيراً من الأميركيين يرى أنّ إيران فاوضت بسوء نية، إذ استخدمت الأموال التي تلقتها من إدارة الرئيس باراك أوباما لتعزيز نفوذها وسيطرتها على العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن بشكل أكبر. في السياق نفسه، تحدّث هيكل عن مواصلة إيران تطوير برنامج الصواريخ وبرنامج المسيرات، مشيراً إلى أنّها تُعرف على نطاق واسع في الولايات المتحدة كجهة “فاعلة مزعزعة للاستقرار في المنطقة ترمي بشكل واضح إلى انسحاب الولايات المتحدة من الخليج بشكل كامل”.

على صعيد تطبيع الإمارات والبحرين مع الاحتلال الإسرائيلي، أكّد هيكل أنّه يُنظر إلى اتفاق أبراهام على نطاق واسع باعتباره هدية لترامب قبل الانتخابات، مستدركاً بأنّ بايدن يؤيّد الاتفاق أيضاً “فلا بد من أن يؤيد الرؤساء الأميركيون التطبيع والسلام بين البلدان العربية وإسرائيل”. ورأى هيكل أنّ المصالح الدولية والأمنية تمثّل دافعاً لإبرام هذه الاتفاقات وليس الاعتبارات الانتخابية الأميركية، مضيفاً أنّ هذا الخرق يحظى بمباركة ضمنية سعودية ويمثّل تطوراً كبيراً في المنطقة.

ولفت هيكل إلى أنّ هذه الاتفاقات تعرّي التباين بين دول الشرق الأوسط الكبرى، متحدثاً عن اصطفاف تركيا وإيران وقطر من جهة، والإمارات والبحري وإسرائيل والسعودية والأردن ومصر من جهة ثانية.

وفي حال فاز ترامب، توقّع هيكل أن ينال الجانب المؤيد للولايات المتحدة والذي تقوده إسرائيل والإمارات بجرعة دعم كبرى، وبالتالي بروز الانقسامات بين المعسكريّن بشكل أوضح. في ما يتعلق بالتداعيات، رجح هيكل ممارسة ترامب ضغوطاً على تركيا وقطر لاختيار أحد الجانبيْن. أمّا بالنسبة إلى فوز بايدن، فمن المرجح أن يمنح المعسكر الذي تقوده تركيا وقطر فسحة أكبر لمواصلة تنفيذ السياسات الإسلاموية.

فوز بايدن.. كيف سيتأثّر الخليج؟

وبناء على هذه المعطيات، رأى هيكل أنّ فوز بايدن يعني أنّ الولايات المتحدة ستصبح حليفاً أقل موثوقية بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية. وفيما حذر هيكل من أنّ واشنطن ستعمد عموماً إلى تقليص دورها في الشرق الأوسط في عهد بايدن، في خطوة من شأنها “زعزعة الاستقرار بشكل أكبر في الشرق الأوسط”، ذكّر بالفوضى التي صاحبت ولاية أوباما.

وتوقع هيكل أن تضغط إدارة بايدن- التي ستستأنف التفاوض مع إيران- على السعودية من أجل إنهاء حرب اليمن وتقييد مبيعات السلاح للرياض. وفي حين ربط هيكل بين ضغط سعودي فوري لإنهاء حرب اليمن واستباق الديمقراطيين، أوضح أنّ خطوة مماثلة قد تساعد على إتاحة فرصة للرياض لاستمالة دعم الديقراطيين المستائين من العلاقة الحصرية التي عززتها السعودية مع ترامب. ورأى هيكل أنّ إطلاق سراح السجناء السياسيين قبل الانتخابات في تشرين الثاني يمثّل طريقة أخرى لتهدئة الديمقراطيين.

وتابع هيكل: “من المؤكد أنّه من شأن اتفاق سعودي مع إسرائيل قبل الانتخابات أن يجبر الديمقراطيين على اتباع سياسية أكثر إيجابية إزاء المملكة (..)”. وخلص هيكل إلى القول: “كقاعدة، من الأفضل دائماً لدول الشرق الأوسط ألا تتماهى بشكل وثيق جداً مع طرف واحد في الولايات المتحدة، بل محاولة استمالة دعم من الاثنيْن. وتمثّل انتخابات تشرين الثاني فرصة للقيام بالآتي تحديداً- أي بناء دوائر انتخابية عابرة للانقسام السياسي في الولايات المتحدة وترى قيمة طويلة الأمد في الحفاظ على علاقات قوية واستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى