هدية الأميركيين للبنان: المثالثة مقابل الترسيم؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
نوال الأشقر
لم يشكّل العشاء السويسري وحده نافذة لاستحضار طروحات للبحث في تطوير النظام أو تغييره، ففي كلّ مرّة يقف البلد على مفترق استحقاقات دستورية، تقفز إلى الواجهة سيناريوهات مشابهة، بتوصيفات مختلفة، تتنوع بين المؤتمر التأسيسي أو الفيدرالية أو العقد الجديد. بصرف النظر عن خلفيات ومرامي العشاء السويسري، وما إذا كان الهدف منه جمع المكونات اللبنانية ضمن لقاء تشاوري عابر، أو التأسيس لصيغة لبنانية جديدة، ليس سرًّا أنّ في لبنان من يعمل لنسف اتفاق الطائف أو تعديله بالحدّ الأدنى، فهل دخلنا مرحلة الإنقلاب على الطائف؟
“في الداخل اللبناني هناك فريقان لا يريدان الطائف. حزب الله الذي يعتبر أنّ حجمه بات أكبر من النظام الحالي بفعل فائض القوة، ومن مصلحته الذهاب نحو بناء نظام سياسي جديد يعكس حجمه الطائفي والسياسي والعسكري. والتيار الوطني الحر الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بظل اتفاق الطائف، ورغم ذلك لم يغادر موقع الحاقد التاريخي على اتفاق الطائف والساعي دومًا للإنقلاب عليه، محاولًا فرض أعراف سياسية ودستورية خارجة عن سياق دستور الطائف. ليس أدلّ على ذلك سوى أداء التيار البرتقالي في كلّ المحطّات الدستورية، ومحاولته النيل من صلاحيات رئاسة الحكومة عبر بدع وهرطقات، آخرها عدم جواز تسلّم الحكومة صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الشغور الرئاسي، علمًا أنّ الدستور واضح ولم يحدّد شكل وطبيعة الحكومة ما إذا كانت تصريف أعمال أم لا” تقول أوساط مراقبة، لافتةً إلى أنّ حزب الله يحاذر طرح الموضوع والمجاهرة به، لاعتبارات عدّة “منها عدم تقديم نفسه مسقطاً لجمهورية المناصفة. أمّا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فلا يخفي سعيه في الذهاب نحو تعديل الدستور أو تغييره بحجة استرجاع مكتسبات مسيحية، ممارسًا بذلك أرفع درجات التضليل، خصوصا أنّ ما يطالب به يدور في فلك حسابات شخصيّة تتصل بطموحه الرئاسي، ولا تمت بصلة إلى ما يدّعيه من حقوق مسيحية، خصوصًا أنّ أيّ نظام بديل من شأنه أن يسقط المناصفة لمصلحة المثالثة”.
بالمقابل هناك مكوّنات لبنانية متمسّكة باتفاق الطائف ووجوب تطبيقه قبل البحث بأيّ صيغة أخرى، في مقدمها المكوّن السني بكل أحزابه وانتماءاته السياسية، وأحزاب مسيحية متعددة آمنت بالمناصفة التي كرّسها اتفاق الطائف، بعيدًا عن حسابات العدّ والأرقام، منها القوات اللبنانيّة والأحزاب الأرمنيّة، وكذلك الحزب التقدمي الإشتراكي، والرئيس نبيه بري الذي يؤكّد في كلّ مناسبة على وجوب تطبيق بنود اتفاق الطائف، ويطالب بإلغاء الطائفيّة السياسيّة كمنطلق للعبور نحو الدولة المدنية.
في المقاربة الدوليّة تقول المصادر، هناك أيضًا من يتناغم مع أفرقاء محليين بالذهاب إلى صيغة جديدة ولو من موقع مختلف، لغايات وحسابات مختلفة، فهناك تسويات دوليّة بدأت ملامحها بالتبلور شيئًا فشيًا في المنطقة، منها انتخاب رئيس للجمهورية في العراق وتكليف شخصية تأليف الحكومة، وتسهيل إيران اتفاق الترسيم البحري في لبنان، فضلًا عن تفاهمات قد تحصل في القريب العاجل بين كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وإيران، قد يمر زمن قبل أن نعلم بها، وندرك تبعاتها على الواقع اللبناني. من هنا لا يستبعد أن يكون العشاء السويسري بمثابة جس نبض، تقوم به جهات دوليّة تقف بالصورة الخلفية وراء سويسرا المحايدة. وهنا يكمن التساؤل حول المصلحة الإقليمية والدوليّة بالإنقلاب على الإتفاق، أو الإبقاء عليه في الظرف الحالي، بانتظار نضوج الظروف المؤاتية “أي اتفاق جديد في الظرف الحالي ستكون فيه الغلبة لحزب الله، ولا يستبعد أن تتقاطع الحسابات الأميركيّة مع أفرقاء محليين وإقليميين، للدفع باتجاه صيغة جديدة، تكون فيها للمكون الشيعي حصّة وازنة، لاسيّما بعد إبرام اتفاق الترسيم، وتكريس الواقع الحدودي الجديد على صعيد الإستقرار الأمني مع حزب الله، وإبعاد أيّ مكوّنات أخرى قد تزعزع هذا الإتفاق مستقبًلا، خصوصًا أنّ أمن اسرائيل أولوية بالنسبة الإدارة الأميركيّة. وهنا تسأل المصادر ألم يكن بمقدور الأميركي طيلة السنوات السابقة منذ العام 1992 ولغاية العام 2005 أن يضغط على الجانب السوري لتطبيق اتفاق الطائف؟ لماذا تغاضى الأميركي عن التفلت السوري من تطبيق مندرجات الطائف؟ هل كان الأميركي راغب بتعديل الإتفاق ولكنه كان ينتظر الظروف المناسبة لتحقيق ذلك، انطلاقًا من فن الممكن؟”.
هذا التسلسل الدولي، خلف السفارة السويسرية في بيروت، إلتقطته عدسات السفارة السعودية، فتحرّك سفيرها في لبنان وليد البخاري باتجاه المسؤولين اللبنانيين، وارفق حراكه بتغريدة أتت بمثابة رسالة سعودية مزدوجة للداخل اللبناني والخارج، مفادها أنّ أيّ اتفاق بديل بمثابة تفكيك عقد العيش المشترك، وزوال الوطنِ الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة. وبطبيعة الحال، المملكة العربية السعودية راعية اتفاق الطائف، الذي أنهى حرب لبنان المدمّرة، لن تقف موقف المتفرج، حيال ما يحاك في الكواليس الإقليمية والدولية، من تفاهمات قد تنسف مفاعيل الطائف، لتكرّس وقائع جديدة، تقول المصادر، خصوصًا أنّ توقيت طرح البحث في صيغ جديدة يتجاهل واقع المكوّن السني اليوم، بالتالي قيام أيّ حوار بين المكونات اللبنانية في هذا التوقيت، يستغيب المكّون السني نظرًا لحال التشرذم لذي تحيط به، وهذا ما سيخلّ بالتوازن”. علمًا أنّ المملكة كانت قد نجحت من قبل في الإبقاء على الرعاية الدوليّة للطائف، وظهر في البيان الثلاثي المشترك مع فرنسا وأميركا.
بدوره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدّث عن عقد سياسي جديد، خلال زيارته بيروت، بعد أيام على تفجير مرفأ بيروت. “لكن رغم كل هذا الضجيج الذي نسمعه، لم يحن بعد موعد الإتفاق الجديد، ولا زال اتفاق الطائف بمثابة الصيغة الضامنة للاستقرار، والمتضمنة لكل دعائم تطوير النظام، وبدل البحث في صيغ جدية، الأجدى تطبيق بنود الطائف، لاسيّما تلك المتعلقة بإلغاء الطائفيّة السياسيّة وإقرار اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس شيوخ”. كما أنّ لبنان لا يُحكم بالغلبة، بل بالتشارك بين مختلف المكونات الطائفية والمذهبية والسياسية، والشواهد التاريخية كثيرة.