يعطيني ربي فأرضى* سارة المكيمي
النشرة الدولية –
ذلك النوع من العطاء الذي لم أختبره من قبل، تلك الرحمة المتمثلة بعدم الحاجة للشيء في الوقت الذي يحتاج إليه الآخرون، أو في الظرف الذي يتعسر فيه الحصول! هو عطاء من نوع خاص جدا، إنها عناية الله ترتب الأمور لكي لا أتعب ولا أضطر ولا أتعذب ولا أُذّل! رحمة في الروح والنفس والوجدان، ألا تحتاج لشيء صعب المنال وبعيد الوصول.
ففي الوقت الذي أغلقت فيه الكويت أبوابها على نفسها ومنعت القادمين إلا أبناءها ومواطنيها ولم تستثنِ أبناء مواطناتها وأزواجهن، كان زوجي منهمكا في العمل في البلد الذي يعمل فيه، طلبوا منهم البقاء إلى أن تُفتح السماوات وتعود حركات الملاحة الجوية من جديد. المكان الذي يعمل فيه آمن ومستقر، بعيد جدا عن المُدن المكتظة والأماكن المزدحمة، سألت نفسي مرارا ما الذي كان سيحدث لروحي لو كان عالقا في مكان ما، لا يستطيع الوصول إلي، ولا أستطيع الذهاب إليه؟ ماذا لو اضطررت للتواصل مع الحكومة التي صمّت آذانها عن نداء المواطنات، حتى ظهرت سيدة كويتية باكية على وسائل التواصل الإجتماعي تطلب علنا التحدث مع مسؤولي وزارة الخارجية، تضرب برجلها على الأرض “لن أتحرك من مكاني حتى تسمحون لابني في العودة للبلاد! هو ابن مواطنة كويتية ويجب أن يكون في حضن أمه كما أبناء الكويتيين الرجال في حضن آبائهم”. ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانها؟ شكرا يا الله لأنك كنت المتكفل بقلبي وعقلي وحالتي النفسية في تلك الفترة العصيبة.
تجلّت رحمة عدم الحاجة أيضا في فرط الصحة، لم نحتج لا أنا ولا أسرتي الصغيرة أو الكبيرة لأي زيارة للمستشفى في بداية الجائحة! عندما كان العالم ينهار من فرط الجهل بالشيء! معلومات مرعبة تتقاذفها الديار، حدة العدوى وخطورة الاختلاط. كيف يا الله حفظت والدي المريض كل هذه المدة من الحاجة للمستشفيات والعلاجات الطارئة؟ كيف جعلته متينا صحيحا معافى على الرغم من كل الأخطار التي تدور حولنا؟ كيف جعلتنا لا نحتاج الأطباء المشغولين جدا بالوباء، ولا نضطر للمستشفيات المليئة بالأخطار؟ جعلتنا آمنين مطمئنين سعداء وأصحّاء، وجعلت والدنا طيبّا سعيدا رائقا على الرغم من كونه من فئة كبار السن ويحمل مرضا مزمنا!
العطاء الأخير بعدم الحاجة جاء مؤخرا عندما قررت وزارة الداخلية أن تُقلص مُدّة تجديد إقامات أبناء الكويتيات الى سنة واحدة فقط بدلا من خمس! يقولون بسبب الوباء، ولا أحد يعلم الى اليوم ما دخل الوباء بمدّة إقامة أبنائنا! ثارت غضبتي على حال الكويتيات والتضييق المستمر عليهن وعدم الالتفات لإنصافهن وإراحتهن من دورة المستندات ومراجعة الإدارات والوزارات، وعندما جاء وقت تجديد إقامة ابنتي وجدت أن جواز سفرها فيه صلاحية سنة واحدة فقط، متوافقة تماما مع القرار الجديد.
لم تضطرني يا الله إلى الغضب والحوار ومناقشة المسؤولين، لم تضطرني يا الله للحاجة، لك الحمد حتى ترضى، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، هكذا أعطيتني يا كريم فأرضيتني.