مبدعون يواجهون عقبات في بداية طريقهم… مصممو الأزياء الشباب يضعون البصمة العربية على الموضة
النشرة الدولية –
عرف عالم الأزياء تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة في المنطقة العربية ولمع نجم الكثير من المصممين الشباب الذين أبدعوا تصميمات حديثة بأسلوب جديد، يحمل عراقة التراث المحلّي، خصوصا مع تزايد الطلب على الأساليب والأزياء العربية.
ولم تبرز مهنة تصميم وعرض الأزياء فـي الشرق الأوسط بالشكل الذي برزت به وشاعت فـي الدول الغربية مع بدايات القرن العشرين، لكن ما لبثت أن ظهرت تدريجيا فـي العالم العربي مواهب ومهارات عديدة فـي هذا المجال، أغنت عالم الموضة الشرقية والغربية على السواء، ويعتبر نجاح فعاليات أسابيع الموضة التي بدأت في الرواج في بعض الدول العربية أحد مظاهر تزايد الاهتمام بهذا المجال.
وأصبحت الأزياء العربية أكثر تنوعا بفضل إقبال الشباب على هذا المجال لاسيما في الخليج العربي، ففي حين كانت المنطقة تركز في بادئ الأمر على أزياء المناسبات، بات المصممون الشباب يدخلون نمطا جديدا على شتى أنواع الأزياء، من إطلالات الشارع والعمل والمساء حتى ملابس السباحة.
وترى لمى البلوي، طالبة تصميم الأزياء في جامعة دار الحكمة السعودية، أن الأزياء شكل من أشكال الفنون والتعبير عن الذات.
وشاركت البلوي في فعالية “مستقبل الأزياء” التي عقدت دورتها الأولى في قصر الثقافة في مدينة الرياض في نوفمبر الماضي، بحضور العديد من مصممي الأزياء العالميين والمحليين وممثلي القطاع والمستثمرين والمهتمين وذلك ضمن فعاليات موسم الرياض.
وعبرت عن طموحاتها في هذا المجال بالقول “هدفي النهائي هو بناء ماركة الأزياء الخاصة بي لتقديم أزياء ستريت ستايل وتكون مستوحاة من الثقافة السعودية، الإلهام الأكبر بما يتعلق بمجال الإبداع والتصميم يأتيني من الأشخاص المحيطين بي، مجرد أن بلدي يدعم التخصص الذي اخترته فإن ذلك بحد ذاته يشجعني على المضي قدما وبذل قصارى جهدي لأنافس الأفضل في قطاع الأزياء“.
ووجدت أنه من الرائع أن تحتضن السعودية فعالية “مستقبل الأزياء” مؤكدة أنه سيكون لها تأثير كبير على ماركات الأزياء المحلية وعلى المصممين، وأبدت تفاؤلا بمستقبل مشرق جدا لقطاع الأزياء في السعودية.
وأوضح المسؤولون عن الفعالية أن الهدف منها توفير منصة للمواهب السعودية الصاعدة، ورواد قطاع الأزياء في العالم للمشاركة وتبادل الأفكار.
وكانت الفعالية فرصة للشباب للالتقاء بخبراء التصميم من الرجال والنساء من دول عدة، حيث ناقشوا مستقبل الأزياء في السعودية وإمكانية تطويره ووصول الأزياء إلى العالمية.
وتم الإعلان في افتتاح الفعالية عن إطلاق وزارة الثقافة برنامج استقطاب المصممين السعوديين المتميزين للحصول على أربع منح دراسية كاملة، تتوزع على الأعوام الخمسة المقبلة في كلية بارسونز للتصميم في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية.
وتشير الأرقام إلى أن صناعة الأزياء في منطقة الشرق الأوسط، تشهد نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية. وذكر تقرير مجلس دبي للتصميم والأزياء بعنوان “تقرير تصميمات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2014 – 2019” أن صناعة الأزياء الإقليمية شهدت نموا بمعدل 6 في المئة سنويا، ومن المتوقع أن تصل إلى 55 مليار دولار بحلول هذا العام.
وبين التقرير أيضا أن مجال تصميم الأزياء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديه القدرة على النمو بمعدل يبلغ ضعف وتيرة المجال نفسه على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تصل مساهمة مجال تصميم الأزياء في الشرق الأوسط في قطاع التصميم العالمي إلى 5.2 في المئة.
ويقول المتخصصون في مجال الأزياء إن المصممين العرب لديهم طابعهم الخاص، حيث يستمدون أعمالهم من ثقافتهم وبيئتهم التي رغم أنها كانت منغلقة إلى حد ما، إلا أنها لاحقا شهدت انفتاحا مع اتساع المجال ودخول شريحة واسعة من الشباب هذا المجال بدأت في التجريب واستنباط التصاميم من التراث وتجديدها ودمج جذورها في أزياء ذات جاذبية عالمية، وهذا أثار حماس المستثمرين في هذه الصناعة إلى جانب المهتمين.
وفي إحدى المقابلات الصحافية قال فراس الوهابي، الاستشاري في مجال الموضة والأزياء ومالك وكالة “فو كونسلتنسي”، “عندما بدأت تقديم مصممين عرب للجمهور العالمي في العام 2011، لم تكن ردة الفعل بتلك القوة”.
وأضاف “كانت منطقتنا لا تزال تعتبر منطقة استيراد لا تصدير، ولم يعرف وكلاء التجزئة ما إن كان زبائنهم سينجذبون إلى أسماء ووجهات نظر عربية. ولكن هذا الأمر قد تغيّر بدرجة هائلة خلال العقد الأخير، فالصحافة والمشترون متحمسون وداعمون لما يجري في المنطقة”.
ويحرص الكثير من المصممين الشباب على إدخال الثقافة والرسوم في تصاميم الأزياء الجاهزة العصرية لإبراز التراث الشعبي العريق لبلادهم.
وفرضت مصممة الأزياء المغربية زينب بريطل بصمتها في عالم الموضة، وقد تمكنت بفضل موهبتها وولعها بالموضة من إنشاء علامتها التجارية المتخصصة في إبداع تصميم الشربيل والبلغة المغربية والتي تحمل عنوان “Zyne”.
وأصبحت هذه العلامة التجارية نموذجا للإبداع المغربي في مجال الموضة داخليا وخارجيا، خصوصا أنها تمكنت من الفوز بجائزة النسخة الأولى من “فاشن تراست أرابيا”.
لكن الكثير من الراغبين في دخول هذا المجال ويريدون أن يصبحوا مصممين محترفين ويطمحون في إنشاء دار أزياء خاصة بهم يواجهون عقبات مالية وتعليمية ومجتمعي، وغالبا ما يضطر المصممون المبتدئون إلى خوض هذه المغامرة دون أي توجيه حقيقي.
وقد ساهمت العديد من المسابقات المتخصصة مثل فاشن ستار دبي، بروجيكت رانوي الشرق الأوسط في مد يد المساعدة للمواهب الواعدة، ولكن مصممي الأزياء لا يزالون يتعثرون في طريقهم نحو إثبات أنفسهم في هذه السوق، وخاصة في السنوات الخمس الأولى، فالعمل في هذه الصناعة يتطلب فهما عميقا على مستوى الأعمال أكثر من التركيز على الجانب الإبداعي.
وبرز مصمم الأزياء المصري مهند كوجاك، خلال مشاركته في برنامج اكتشاف مصممي الأزياء “بروجكت رنواي” بنسخته العربية، ويسعى لإثبات نفسه بعيدا عن النمطية لترك بصمة خاصة في ظل انعدام الثقة في السوق المحلية المصرية بين عشاق الموضة.
ويبتكر كوجاك تصميمات غير مألوفة مستوحاة من الأقمشة غير التقليدية والقديمة كـ”إعادة تدوير”، مثل الستائر والزجاج والريش والإكسسوارات الملفتة، بحسب ما ظهر في العديد من تصميماته.
ويعمل منذ سنوات في تصميم أزياء خاصة به مستوحاة من العصر الفيكتوري اكتسب من خلالها شهرة، وباتت ترتدي تصميماته نجمات بالمجتمع المحلي وفنانات عربيات.
وأثار مؤخرا جدلا واسعا حول تصميماته التي تميل للطابع الغربي، والتي أثارت دهشة الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إطلالات نجمات الفن سواء في المهرجانات أو العروض الخاصة.
وقال كوجاك “عندما بدأت لم يكن مجال الموضة في مصر يشهد نفس التنافسية الموجودة حاليا والتي تسمح بالإبداع وتقديم منتجات جديدة”.
ويأسف لأن المصممين المصريين لا يحظون بشهرة وإقبال، إلا أنه يتمنى أن يتغير هذا الأمر، وأضاف “ليس فقط المجتمع هو من لا يثق في المصممين المحليين بل أيضا السلطات، فلا توجد مؤسسة رسمية في مصر توفر إمكانية تعلم تصميم الأزياء والحياكة”.
وتعاون المصمم الشاب مع الممثلة التونسية درّة زروق في مجموعة من الملابس الجاهزة تحت اسم “رومنتيك” وهي المرة الأولى التي تدخل فيها عالم الأزياء.
الموازنة ضرورية
ويقول خبراء المجال في العالم العربي إن المصممين الشباب يحتاجون إلى تعلم كيفية الموازنة بين الجانب التجاري والجانب الإبداعي في العمل، حيث يفتقر المصممون الصاعدون عموما إلى معرفة كيفية إدارة أعمالهم وعلاماتهم التجارية. لا يبدو أنهم تعلموا كيفية حساب التكلفة أو إعداد هوامش الربح، أو التنبؤ بالأرباح، وقد يواجهون أيضا تحديات في التعامل مع المصانع والمصنعين، خصوصا مع عدم وجود تسويق قوي يساهم في ترويج منتجاتهم وتصميماتهم. فلن يستثمر أي تاجر تجزئة في علامة تجارية ما لم تكن موثوقة وتستطيع تقديم المنتجات في وقت محدد.
وتأثر قطاع الأزياء العربي كما القطاعات الأخرى بسبب أزمة كورونا، وحسب صندوق النقد الدولي ستكون الآثار الاقتصادية لفايروس كورونا الأقسى منذ الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. ومن الطبيعي أن تكون صناعة الموضة من أول المتضررين من هذه الأزمة.
وقامت بعض الشركات بمبادرات لدعم جيل الشباب من المصممين، فأطلقت شركة LVMH خطة تحفيزية لمساعدة المصممين المستقلين الذين يواجهون شبح الإفلاس بسبب إغلاق المتاجر إلى أجل غير مسمى.
ومع إلغاء حفل جائزة LVMH الذي كان من المفترض تنظيمه في 5 يونيو، قررت الشركة إحداث بعض التغييرات، وقالت ديلفين أرنول نائبة رئيس علامة Louis Vuitton ومؤسسة الجائزة “في كل عام تسلط الجائزة الضوء على مجموعة من المبدعين الجدد حول العالم وتدعم علاماتهم. ولكن في هذه الظروف الصعبة، ستساهم الجائزة في دعم المصممين الشباب وتسليط الضوء على هدفها الأساسي وهو الوقوف إلى جانب الرابحين السابقين بها”.
كما أطلقت منظمة فاشن ترست العربية حملة لدعم المصممين والمبدعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة للذين تأثرت أعمالهم بفايروس كورونا.
وقامت رئيسة المنظمة بالإعلان عن هذه الحملة على صفحتها الخاصة على إنستغرام ودعت أهم المصممين للمشاركة مثل فالنتينو، إيلي صعب، سليم عزام، صبري معلوف، روني حلو وغيرهم.