الصين دخلت كل بيت عربي بـ«القوة الناعمة»* حمزة عليان

النشرة الدولية –

قمة البراعة العسكرية، بالفكر الصيني المتأصل، ليست في تحقيق مئة انتصار في مئة معركة، بل في تحقيق الانتصار على الجيش المعادي دون قتال! وبالعودة إلى الجذور، تجد أن الصينيين كانوا تاريخياً في موقف الدفاع عن النفس، ولهذا بنوا «سور الصين» كجدار دفاعي لحماية أنفسهم من الغزوات.

 

الصين باتت حاضرة في منطقتنا العربية، ناهيك عن كونها مرشحة لأن تأخذ مكان أميركا كأكبر دولة عظمى على المسرح الدولي، وبالرغم من هذا الحضور الذي أخذ أبعاداً تجارية بالدرجة الأولى وعسكرية بالمقام الثاني فإن الثقافة الصينية بقيت غائبة، واللغة ليس لها أي تأثير، وبالتالي ما يصلنا من إنتاج فكري أو فلسفي يأتي عن طريق الترجمة، فالإنتاج الصيني بالمعنى الصناعي والتجاري دخل بيوتنا منذ عقود، ولا يكاد أي بيت عربي أو عالمي يخلو منه.

 

لكن الفكر الصيني بقي محفوظاً في الخزائن والمكتبات، وما وصل إلينا عبارة عن شذرات متقطعة أو أقوال منقولة لهذا الزعيم أو ذلك، كالمقولة التي تنسب إلى ماوتسي تونغ بأن رحة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة! هذا القول استمده أساساً من ديانة “الطاو” أي ما قبل 600 سنة!

 

لذلك تبقى العودة إلى جذور هذا الثقافة هي المبتغى من هذه المقالة، والمتصلة إلى الكونفوشوسية و”الطاو” والمذاهب الأخرى، وفوق هذا كتاب “فن الحرب” للمفكر الاستراتيجي الصيني “سون تزو” والذي خرج إلى النور قبل 2500 عام ؟ للدلالة على أهمية هذا الكتاب الذي أصدرته “ذات السلاسل” للنشر وترجمه من الإنكليزية إلى العربية الزميل محمد الأسعد، يستدل على مكانته عند مديري الشركات اليابانية، والذين يستخدمون فن التكتيكات العسكرية الواردة فيه في عالم التجارة وعند اشتداد المنافسة مع الشركات الكبرى وكيفية مواجهتها، ولذلك يعتبر من أهم المراجع التي تدرس في الجامعات في عالم الإدارة والإقتصاد.

 

قمة البراعة العسكرية، بالفكر الصيني المتأصل، ليس في تحقيق مئة انتصار في مئة معركة، بل في تحقيق الانتصار على الجيش المعادي دون قتال! وبالعودة إلى الجذور، تجد أن الصينيين كانوا تاريخياً في موقف الدفاع عن النفس، ولهذا بنوا “سور الصين” كجدار دفاعي لحماية أنفسهم من الغزوات التي تعرضت إليها بلادهم من قبل اليابانيين والأوروبيين.

 

أساتذة التاريخ يقولون إن الصين لم تكن يوماً في موقف الهجوم والتوسع، وأنها لم تحتل بالقوة العسكرية أراضي دول أخرى مجاورة أو بعيدة!

 

يمتاز الكتاب بتحديد مفهومه للحرب وفق مبدأ واضح وهو أن الطريق، إما إلى بقاء الدولة أو زوالها، أي أنها ليست حالة طارئة، معتبراً أن مهاجمة المدن أسوأ استراتيجية، ومشدداً على حسمها بأسرع وقت لأن الدول لا تستفيد من الحروب الطويلة بل تفقر شعوبها وتعرضها للخطر.

 

وفي الجوهر، فإن نصوص هذا الكتاب مازالت باقية حتى أيامنا هذه بل متداولة، وعلى من يرغب أو لديه الفضول بمعرفة الفكر الصيني قراءة هذا التراث والفصول “الثلاثة عشر” منه.

 

قد لا تعتريك مفارقة عندما تقرأ هذا النص، وتترجمه إلى واقع نعيشه من خلال “الحرب الاقتصادية” الكبرى التي تقودها الصين في مصارعة أميركا، وفي عدة جبهات ومسارح دولية، فالصيني اليوم تجده في طهران والخرطوم والكويت وعلى مسافة قريبة منا، لكنه “متخفٍّ” أي بمعنى أنه ينأى بنفسه عن الظهور العلني والاستعراض، لكنه على الأرض يحفر بيديه، فإلى جانب دخوله “الناعم” ومن خلال المشاريع التجارية والبناء والمقاولات، هناك قرقعة للسلاح الصيني إلى جانب ورشة البناء التي يديرها، فالعين الصينية تزحف على خصمها ببطء وثبات ودون ضجيج، وهذا ما نراه على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى