مِلءُ القلب شُكراً ،نافذة على ما قد مضى من العمر* د. سمير محمد أيوب
النشرة الدولية –
ذاتَ مَساءٍ بَيْروتيٍّ تمّوزِيٍّ من العام 1984، في مقهى دبيبو قُبالَةَ صخرةِ الروشة، كُنَّا قد أتْمَمْنا حِواراً مُعَمَّقا عن الحروب المتناسلة بالتَّشظِّي في لبنان وعلى لبنان، حينَ سألَتْني ضَيْفَتي سيِّدةُ تونس الأولى، الصديقةُ نورَهْ مَامِي (الحرم الاسبق للرئيس زين العابدين بن علي) يرحمها الله، عمَّن مِنَ الُّلبنانِيين كان قد ترك بصمةً له في حياتي.
قُلتُ بفرحٍ غامر: إنَّ أصحاب الفضل من ألأحبَّة ، كُثرٌهنا يا سيدتي. لِيَعذُرَني كلٌّ مِنهم، إن لِضيقِ المقامِ اضطررت لِلإنتقاء.
– دُرَّتُهم الحاج توفيق راشد الحوري، الراعي الأهم لجامعة بيروت العربية، أطال الله في عمره. عَلَّمني حُبَّ المَعرفة، حين مْنَحني وأخي المؤرخ اللبناني الكبير الدكتور حسان حلاق، مالاً وفيرا للسَّفَرإلى مظان العلم في بريطانيا ، لاستكمال متطلبات الحصول على شهادة الدكتوراة، ولنكون أوَّلَ دكتورين من طلبة الجامعة في هيئة تدريسها. وأكرَمَنا بشرفِ المُشاركة معه ، في تأسيس جامعة الأوزاعي للدراسات الاسلامية، والتدريس فيها .
– امّا المرجع الإسلامي الشيعي الأعلى، العلامة آية الله محمد حسين فضل الله يرحمه الله ، ظهر اليوم الاخير من ايلول 1982، بعد حوار متصل امتد لساعات، في شقته المتواضعة في بير العبد – من الضاحية الجنوبية لبيروت ،كان قد رسَّخ في قلبي أنّ الإيمان الحق وأنّ حب الله هو قطعا بلا مذاهب. وعلَّمني أنْ أحِبَّ الكثير من رجال الدين والفكر والحكمة من أمثاله .
– وتَعلَّمتُ سماحةَ الحِكْمَةِ وقِيمَةَ الصبر في التأمُّل، منَ أرزَةٍ لبنانيةٍ شامخةٍ ، هي الصديقة الدرزية الشَّيْخَة نعمات محمود وأخيها حكمت ، مختار الباروك في الشوف، اللذان بكرمٍ وسعةِ صدرٍ وطيبة ، تحمَّلا حُشْرِيَّتي المُعَمَّقةِ الباحثةِ عن معارِج نور المعرفة، فأعْلَماني وعَلَّماني الكثير من أسرار العقل، في مذهب إخوتِنا المُوَحِّدين الدُّروز، وطقوسِ تعبُّدِهِم في خَلْواتِهِم في مقام النبي أيوب عليه السلام .
– أمّا الصديقة أليسار كريمة الزعيم أنطون سعادة ، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهي تُحدِّثُني عن والدها الشهيد ، الذي اغتاله رياض الصلح ،بالإعدام رميا بالرصاص في سجن الرمل ببيروت، فقد أضاءت الكثيرَ عنْ وقفاتِ العِزّْ للزعيم من أجل سوريا الكبرى. والكثيرَ عن عُنْفُوان الثوار من أجل فلسطين ، وهي تُحدِّثُني عن زوجها الشهيد فؤاد الشمالي ، الذي والسرطان يطبق عليه ، كان من مقره في جنيف ، العقلَ المُدبِّرَ لعملية الألعاب الأولمبية في ميونخ ، عام 1972.
– وصديقيَ المَصرفي اللبناني، أبوغسان جبران توفيق جبران يرحمه الله ، علّمَني ذات عشاء ونحن في دارته في جبل لبنان المقاصد الربانية للإيمان حين قال: كما تعرف يا سمير، أنا مسيحي ارثذكسي أحب ديني وملتزم به ، ولا أطيق الإساءة له. ولكنك تعلم أيضا ، أنَّ ابني الأكبر الكابتن الطيار غسان ، متزوج من سيدة مارونية من مرجعيون، وأن إبني هاني متزوج من سيدة درزية هس إبنة الرسامني، وأن ابنتي لوريس متزوجة من السني البيروتي السيد أسامة ابن القاضي محمود النعمان . وأكمل بفرح أضاء كل مساحة وجهه المتسع ، ربُّكَ وكيلُكَ يا سمير، بيتي هيئة أمَمٍ يتَّسعُ لكل المؤمنين من عباد الله . وفرَحي يُلاقي فرحه احتضنته، وأنا أقول له: لَوْ إنَّك مِشْ هِيك ما بتكون أصولك فلسطينية ، فلسطين مهد الديانات والرسالات والأنبياء ، فأنتم في هذا البيت ، تمارسون بصدقٍ المقاصدَ الربانية في الإيمان . طوبى لكم ولمن كان مثلكم.
– وسيدة لبنانية مارونية من فرن الشباك علَّمتني التسامح وقبول الأخر والتكامل معه. أثناء جريمة الإبادة لمخيم تل الزعتر في لبنان ، جاءتنا مُبَكّرةً في مستشفى القدس في الحازمية . بعد أن تبرَّعت بوحدة من دمها، أوصتني كمسؤول للإعلام والعلاقات العامة وشؤون المتطوعين في الهلال الاحمر الفلسطيني، على أن يقدَّمَ دمُها هديَّة لجريح مسلم من أصولٍ فلسطينية، وعندما سألتها عن سرِّ إصرارها هذا ، قالت لعلني عبر شيءٍ من دمي، أسْهِم أيجابيا في تكسير لَعنات العنصرية والطائفية في آن واحد .
طوبى لكلِّ المؤمنين من عبّادِ ربِّ كلِّ الناس، وشكرا وأيّ شكرٍ لكلِّ منْ أفاضَ عليَّ بشيءٍ مِنْ فَضْلِه .