في لبنان… هكذا توزع الدعم على المواد الأساسية… وطوق النجاة بيد صندوق النقد
النشرة الدولية –
لبنان 24 – هتاف دهام –
في المبدأ الاقتصاد العالمي كله في حالة انكماش، اذ من المتوقع وفق تصريح للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي ستالينا جورجيفا، أن يكون انكمش نهاية عام 2020 بنسبة 4.4 في المائة عما كان عليه في بداية العام، فنحن أمام أسوأ أسوأ ركود منذ الكساد الكبير (في إشارة إلى الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي)، خاصة وأن الأزمة التي يمر بها العالم( جائحة كوفيد19) قد تقلص إجمالي الناتج المحلي العالمي بحوالي 9 تريليونات دولار، خلال العامين المقبلين.
وفقا لتقرير صندوق النقد الصادر في 13 -10 2020 فإن الاقتصاد العالمي بدأ الخروج من التراجعات التي تكبدها أثناء “الإغلاق العام الكبير” اعتبارا من نيسان الماضي، في ذروة الموجة الأولى لكورونا، لكنه حذر من أن المسار الاقتصادي ما زال غامضا حيث أبطأ كثير من البلدان سرعته في إعادة فتح الاقتصاد، وبدأ البعض يعاود الإغلاق العام جزئيا لحماية السكان المعرضين للتأثر؛ وحث الصندوق في 19 الشهر الجاري دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تسريع الإصلاحات وجهود تنويع الاقتصاد.
وعليه، لا شك أن لبنان في دول الشرق الاوسط يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975-1990) بمعزل عن أزمة كورونا وتداعياتها على القطاع الصحي، حيث توقّع صندوق النقد الدولي أمس أنّ “يسجّل الاقتصاد اللبناني هذا العام تراجعاً في النمو وانكماشاً حاداً بنسبة 25%”. ولفت إلى أن “حجم الاقتصاد انخفض من 52.5 مليار دولار في العام 2019 الى 18.7 ملياراً في العام 2020 وهو المستوى الذي سجّله في العام 2002. أما بشأن غلاء الأسعار، فيتوقع الصندوق أن يرتفع معدّل التضخم وأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 144.5% مقارنة مع العام الماضي، مسجّلاً مستوى قياسياً لم يبلغه منذ العام 1992”.
من تعاقب على تلك المرحلة (1992) يؤكد أن انهيار الليرة الذي حصل في حينه أسوأ انهيار، لكّنه يبقى أفضل من انهيار اليوم، ومع ذلك ورغم هذه الضربة المالية والاقتصادية والنقدية والمصرفية، فإن الحلول المرتجاة لا تزال غائبة في حين أن البلد يسير إلى المزيد من الانكماش.
قد لا يعتبر تقرير صندوق النقد الصادر يوم الثلاثاء ورقة ضغط على المعنيين للإسراع في تأليف حكومة والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة وتنفيذ التعهدات المتصلة بسيدر، فالتقرير، كما يقول الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان لـ”لبنان24″ هو تقرير دوري وليس مخصصاً حصراً للوضع اللبناني، لكن لا بد من التذكير أن القوى السياسية المعنية بالتأليف الحكومي والممثلة في البرلمان اللبناني تدرك جيداً أن الوضع الاقتصادي أصبح أكثر من مزري، وسبق أن سمع رؤساء الكتل النيابية والاحزاب من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كلاما مفاده ضرورة تأليف حكومة مهمة انقاذية، خاصة وأن التقارير التي صدرت عن البنك الدولي وغيره من المنظمات، حددت نسبة الفقر في لبنان بما يزيد عن 55 في المئة عطفا على انخفاض دراماتيكي في دخل الفرد المحسوب على الطبقة المتوسطة.
من هنا، ليس مستهجنا التراجع في النمو والانكماش الحاد والتضخم المفرط ، فهذا الامر متوقع، وجرى التحذير منه مراراً وتكررا، يقول أبو سليمان، لأن مرد ذلك الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية التي تعصف بالبلد عطفا على الشلل التام الذي يعانيه وارتفاع البطالة وانخفاض القدرة الشرائية.
ولا شك ان احتساب نسبة التراجع في النمو تقاس ربطا بالناتج المحلي وبالانتاج الخدماتي والصناعي والزراعي (الاستهلاك – النفقات – – الانتاج – الصادرات) ولذلك فإن الحل، بحسب ابو سليمان، يكمن في ضرورة أن تسارع الحكومة العتيدة فور تشكيلها إلى تصحيح المالية العامة وتوحيد سعر الصرف، وتطبيق الاصلاحات المرجوة سواء أكانت إصلاحات ضرائبية (TVA)، رفع الدعم عن الفيول، إعادة هيكلة قطاع الكهرباء والقطاع العام خاصة وأن التخمة بالتوظيف ادت إلى ازدياد العجز في المالية العامة، فضلا عن ضرورة العمل على مكافحة التهرب الضريبي والحد من الهدر والفساد، في المقابل يجب الدفع نحو خلق فرص عمل جديدة عبر تحفيز الشركات الخاصة على التوظيف والانتاج بالتوازي مع تجنيبها عصا الضرائب.
وسط ما تقدم، باتت مسألة التفاوض مع صندوق النقد مسألة بديهية، بيد أن الطريق قد تكون محفوفة ببعض المطبات التي سوف يتجاوزها المعنيون لاستحالة إنقاذ البلد من أزمته بعيدا عن طوق نجاة الصندوق، صحيح أن شروطه قاسية وسوف تكون موجعة، لكنه ، كما يقول أبو سليمان، لن يلجأ إلى إغراق الاقتصاد اللبناني وبالتالي الدفع نحو المزيد من الانكماش، فهاجسه الاول والأخير يبقى التأكد من منهجية احتساب مؤشر استدامة الدين، خاصة وأنه سوف يمنح لبنان الذي يعاني من خلل في ميزان المدفوعات، قروضا قد تبلغ مستويات مرتفعة.
وبالاستناد الى شروط الصندوق، فإن رفع الدعم يشكل مطلباً أساسياً، فالدعم، بحسب ابو سليمان، ألحق بالمصرف المركزي خسائر كبيرة، خاصة وأن السياسة التي اُعتمدت لم تؤتي ثمارها وهي توزعت على الشكل التالي: 20 في المئة من الدعم ذهب إلى الأسر الاكثر عوزا – 30 في المئة من السلع المدعومة هربت إلى سوريا ، 40 في المئة من تلك السلع استفادت منها الأسر المتمكنة مادياً ، في حين أن 10 في المئة المتبقية كانت من حصة الوسيط.
يبقى الأكيد أن ازدياد الكتلة النقدية 130 في المئة هذا العام حيث وصلت الى 23 ألف مليار ليرة مقرونة بالاجراء الاخير للبنك المركزي، كل ذلك ساهم بشكل أساس في فقدان الليرة قيمتها وتراجع القدرة الشرائية الأمر الذي أوصل إلى التضخم المفرط، علما أن “الحل العكسي” الذي حاول تعميم مصرف لبنان رقم 573 (فرض بموجبه مصرف لبنان على الشركات المستوردة سداد المبالغ المتوجّبة عليها للمصرف بالليرة اللبنانية نقداً، لا بموجب شيكات مصرفية أو حوالات) ان يواجه به التخبط الحاصل، من شأنه أن يضاعف من الركود الاقتصادي، لاستحالة استيراد المواد الاستهلاكية (لبنان يستورد 90 في المئة مما يستهلكه شعبه) فالشركات سوف تقفل ابوابها خاصة وأن أموالها محتجزة أصلا في المصارف، وطريقة الدفع للجهات التي تتعامل معها، تتم عبر شيكات مصرفية.