الاتحاد الافريقي يدخل التاريخ* د. محمد مطاوع
النشرة الدولية –
والدخول للتاريخ ليس حكرا على الأبطال والفاتحين واصحاب الإنجازات، فكثير ممن عرفناهم وتذكرنا أسماءهم جيدا، كانوا سببا في أحداث كارثية، ومصائب انعكست على مجتمعاتهم بأسرها، فوصموا بالعار على مدى السنوات بل والقرون ايضا، وقد يكون الاتحاد الأفريقي لكرة القدم واحد من هذه الأسماء الذين ستخلد ذكراهم بعد كل السوء الذي أداروا فيه درة بطولات القارة السمراء ومعشوقة الأندية التي تحلم بأن تعتلي منصة المجد وترفع كأس دوري الأبطال.
قد نضع كل الأحداث التي اقترفها هذا الاتحاد في السنوات الأخيرة، من فساد تنظيمي وتحكيمي، وفضائح على مرآى العالم وسمعه في كفة، وما يحدث اليوم من قرارات لإنهاء دوري الأبطال في كفة أخرى، وهو الأمر الذي جعل هذا الاتحاد أضحوكة العالم بتخبطه وقراراته الارتجالية، وضعفه أمام بعض الأندية التي تحاول أن تحقق مصالحها بشكل أساسي وواضح للجميع.
الاتحاد الأفريقي يبدو أنه آخر من يعلم بالقرارات التي تنسب له، حيث تبدأ الأمور بخبطة إعلامية بقرار شبه مؤكد، ويتناقل الجميع هذه الأخبار ويعتبرها البعض حقيقة مسلمة نظرا لسوابق كثيرة، ويصمت الكاف كثيرا وثم يظهر من خلال مصدر أو منشور على السوشال ميديا يؤكد فيه الخبر، وكأن من يقود الاتحاد أشخاص لا يجلسون في مكاتبه، وليسوا أعضاء في كيانه، على عكس الاتحادات حتى الأهلية التي تتخذ قراراتها بناء على اجتماعات منسقة، وترتكز لدراسات من لجان متخصصة، وفي النهاية يتخذ القرار بشكل نهائي ويعلن للجميع ولا مجال لتعديله أو تغييره.
أزمة كورونا عانت منها جميع اتحادت الكرة في العالم، لكنها جميعا أيضا تعاملت معها باحترافية، ومثلا الاتحاد الأوروبي، نجح في إنجاز أغنى بطولات العالم وهي دوري أبطال أوروبا بشكل سلس، رغم أن أوروبا تعتبر بؤرة خطر لهذا الفيروس، ولديها حالات بالملايين، وتعرض عدد من أهم لاعبي العالم للإصابة بالفيروس، ورغم ذلك تم إنجاز البطولة وفق ما خطط له، وطبق بروتوكلا طبيا صارما، وأنجز البطولة على نظام التجميع دون أي تأجيل أو تأخير لمباراة.
حتى مساء الأمس، كانت الأخبار تتناثر هنا وهناك عن عزم الاتحاد الأفريقي تأجيل قبل نهائي ونهائي الأبطال، وشخصيا لم أكن أستوعب مثل هذا القرار، خاصة بعد تأجيل نصف النهائي بسبب إصابة عدد من لاعبي الرجاء بفيروس كورونا، وبدأت الأخبار تتلاحق بمواعيد جديدة للمباراتين، حتى صدر أخيرا القرار الرسمي بالتأجيل لأجل غير مسمى.
الأصل في الاتحاد الأفريقي أن يكون قد نظم أموره من خلال اجتماعه التنسيقي الأول لتنظيم الدورين المتبقيين من عمر البطولة – النصف النهائي والنهائي، وكان عليه أن ينجز البطولة بذات طريقة الكونفيدرالية، حيث أنجز مبارياتها بطريقة التجممع، وفي هذا الأمر أكثر سهولة بفرض بروتوكل طبي على جميع الفرق من خلال وجودها في فنادق محجورة، ومنع اللاعبين من الاختلاط بالمحيط، لكن المصالح المتضاربة في نفس الاتحاد فرضت تغيير أسلوب دوري الإبطال ليقام بنظام الذهاب والإياب رغم خطورة المسألة، وفتح المجال أمام اللاعبين بالاختلاط بمحيط خارج النادي، مما تسبب في إصابة عدد كبير من لاعبي الرجاء بالفيروس، وأوصل البطولة لهذا التأجيل الكارثي.
لا أدري إن كان مسؤولو الاتحاد الأفريقي شاهدوا ما حدث في مباريات الجانب الغربي من قارة آسيا، وكيف فرض الاتحاد الآسيوي إقامة ما تبقى من دور المجموعات واستكمالا للمباريات حتى نهائي الشرق لدوري أبطال آسيا في دولة مستضيفة، وكيف فرض الاتحاد تعليماته بحذافيرها على حامل اللقب الهلال، وطلب منه تأمين حضور 13 لاعبا لمباراته الأخيرة بدور المجموعات مع فريق شباب الأهلي دبي، وهي المباراة التي لا تأثير فيها على صعود الهلال متصدرا سواء فاز أو خسر أو تعادل، وفي النهاية، فشل الهلال في تأمين العدد المطلوب قبل المباراة فتم اعتباره منسحبا من البطولة بأكملها، وفي ذلك درس في التنظيم على الرغم من قساوة القرار، لكن في النهاية كانت العودة لنظام واضح وشفاف.
في النهاية، تبقى الكرة الأفريقية تعاني من ذات المشاكل التي تتسبب بها مصالح متجاذبة بين أطراف اللعبة، سواء دولا أو أندية أو أفراد، وهو ما دفع الاتحاد الدولي لفرض مندوب من قبله لإدارة شؤون الاتحاد بحضور رئيسه ومجلس إدارته لفترة ليست بالقصيرة، ولكن الأمر تجاوز حدود المنطق وأدخل أهم بطولات القارة في نفق قد يصعب الخروج منه على المدى القريب.