أديبة تبحث عن الكمال في الشرق.. من هي “أنماري أستر”؟

النشرة الدولية –

عربي بوست – مها الجويني –

في رحلتها للبحث عن الكمال، عن تلك الأجزاء التي بها تكتمل ذاتها المبعثرة جنوباً وشمالاً بين أوروبا الهادئة حيث ترقص الباليه إلى أقصى الشرق في بلاد الهند حيث الأساطير والرقص الذي يهز الأرض من تحتك نحو بلاد المغرب الأقصى، لتكتب عن عاشق من أصول أمازيغية دعته إلى الخصوبة التي تجسدت أمامها في طعم حلوى كعب الغزال.

“باطن منكب التيس”، حصل هذا الديوان الشعري القائم على قصيدة مطولة مقسمة إلى ثمانية أجزاء تُروى بحبكة مُحكمة وغامضة، على جائزة “هرمان دي كوننغ” الهولندية كأفضل كتاب شعري لسنة 2013. وعبرت لجنة الجائزة عن أسباب منحها الجائزة بالقول: “نادراً ما يظهر مثل هذا الوصف لعلاقة حب شبه شيطانية في الشعر الهولندي”. وحازت الشاعرة والكاتبة أنماري أستر على جائزة يان كمبرت في عام 2008 عن ديوانها “مساء الأرض الحرام”.

النسخة العربية من ديوان “باطن منكب التيس” ترجمة المسرحي والمبدع حازم كمال الدين الذي رسم لنا بلغة الضاد هواجس أنماري أستر محافظاً على صوت المرأة الباحثة عن الكمال والخصوبة والدفء في هذا العالم المضطرب والممتلئ حقداً وعنصرية وحروباً وفرقة، رغم أن الشاعرة أنماري تصر على أن تقدم نفسها من خلال حمضها النووي الريبوزي الذي يحمل النسب الوراثية والعرقية فالشاعرة هي هولندية بنسبة 39% ولميبورغية بنسبة 53% وإيطالية بنسبة 24% وإسبانية بنسبة 48% و8% أمازيغية.

في البدء كان الحب 

رغم كل ما يقال في تحرر النساء في المجتمعات الأوروبية إلا أن البوح بالحب و الرغبات لا يزال أمراً غير محبذ لدى أغلبية سكان المجتمعات ومازالت صورة المرأة الطريدة التي تنتظر فارسها ليترجل لها هي الصورة النمطية المحببة لدى الأغلبية.

أنماري في ديوانها تكسر الخجل وتتعمد أن تكون البطلة هنا هي المرأة التي  تبحث عن الدفء وتستكشف نفسها ومذاق الحلوى المغربية تحت شموس الصحاري وأمام أعين الطبيعة، كما تفعل الأرض بعد كل عاصفة.

 

“عزام الجسد” المحفور في ذاكرة البطلة طيف قادم من الأساطير الإفريقية الحارقة، لا حدود لسحره وأثره الذي يعتري البطلة “مينانا” كلما تراءى لها ذلك الخيال الذي تركت من أجله زوجها وبلادها. وانطلقت وشدت الرحال نحو المغرب من أجله، في رحلة تجاوزت الجغرافيا والتاريخ والدين، وكأنها بصدد نزع الخطيئة باستحضار الملائكة في أبياتها الشعرية أو ربما كانت تسعى لاستفزاز الأكليروس المسيحي بذلك المزيج.

الكمال عند ضفة الجنوب

عادة ما كان الشمال قبلة للهجرة وخاصة للنساء الباحثات عن التحرر والحرية واكتشاف العمق الإنساني في الروايات والأفلام، وهكذا ترسخت الصورة الذهنية عند أغلب البشر. لكن أنماري ومن خلال مشروعها الأدبي تنزع عن الشمال أو الغرب تلك الصفة الملازمة له، فتقلب الأدوار في ديوانها، فترى الجنوب وجهة للشابة “مينانا” لكن بطريقة مختلفة. ولأول مرة يبدو الجنوب في الأدب الغربي، بعيداً عن الصور النمطية التي رسمها الفن الغربي لمجتمعاتنا التي لا تخرج عن دائرة العباءة واللحية الممتدة والطربوش وخراطيم الشيشة وبنات مراهقات عاريات يرقصن في جلسات حميمية أو نساء يرتدين حجاب حانيات لهاماتهن واقفات وسط الزحام يبحثن عن الحرية في طيف الرجل الأبيض.

فالحديث عن الجنس والمتع والملذات والخصوبة والإنجاب والدماء والإرهاب كلها صور رسمتها ريش وأقلام المستشرقين عن الحضارة العربية وصدرتها للعالم الغربي باعتبارها لب الثقافة العربية والإسلامية. وكأننا مهاويس نفتش عن الجنس والمتعة وإشباع الشهوات الحيوانية، بينما الغرب هو العقلاني، المفكر الحكيم، الذي لا ينساق وراء شهواته. في حين أن المتعة والمحبة أفعال إنسانية بحتة، وليست حكراً على عرق دون آخر، وليست نقيصة لأي ثقافة أو عرق، كما جاء في أشعار أنماري.

يقول مترجم الديوان، حازم كمال الدين في مقدمته: يبقى السؤال فيما لو كان هذا يعكس الحقيقة كما ينبغي؟ وبين طيات الأبيات وأجزائها ينتابك الخوف ماذا لو كان العشق فعلاً إلهياً تباركه ملائكة إنجيل يوحنا؟ وماذا لو كان الشبق أمراً حتمياً يحملك إلى بلاد أخرى تاركاً وراءك هويتك وبلدك لتنخرط في عالم الحب دون رجعة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى