الانتخابات الاميركية: ماذا تعني للشرق الأوسط؟* د. سهير ابو عقصة داود
النشرة الدولية –
وصلنا الثلاثاء الكبير الذي يتكرر كل اربع سنوات وقد لا نعلم نتيجة الانتخابات الأميركية لحين ما بسبب الوباء وعملية التصويت التي شملت حتى الان ملايين المقترعين عبر البريد والذي يشكك ترامب بنزاهتها (صوت حتى صباح اليوم حوالي 100 مليون في التصويت المبكر منهم 56 مليون عبر البريد من اصل حوالي 150 مليون يتوقع ان يدلوا بصوتهم). هذه الانتخابات التي تجري في وضع داخلي وعالمي مليء بالتحديات الاقتصادية والأمنية والصحية لها اهمية خاصة. بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قلب الموازين بسياساته المتجاهلة لحلفاء أميركا التقليديين، في أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا، كندا، وغيرهم، مع العلم ان اخلاصه لإسرائيل تجاوز أي رئيس اميركي على الأقل منذ ان مرر الكونغرس قانون “سفارة القدس” عام 1995 (طالب فيه الحكومة الفدرالية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في عهد الرئيس بل كلنتون الديمقراطي وسيطرة الجمهوريين على الكنغرس بشقيه)، تصبح الانتخابات مشوقة بشكل خاص. فالذين يتمننون خسارة ترامب قد تكون اكثر بكثير من الذي يتمنى فوزه وهذا يشمل الصين وأوروبا وايران وتركيا وغيرهم.
رغم سياسات ترامب التي توصف بالعدائية نحو المهاجرين وسياسة منع السفر من عدة دول اسلامية الى أميركا لم يسبق لدول عربية واسلامية ان هرولت الى طلب الرضا من ترامب والتطبيع مع إسرائيل كما حصل في السنوات الأربعة السابقة وتوجت بمد لم يسبق له مثيل منذ اوسلو من شرعنة علاقات كانت تدور بالسر لسنوات مع إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية. واحد الأسباب المهمة في ذلك هو ايران وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة التي بدأ بعد احتلال العراق وتدميره وتوَجَه الرئيس السابق باراك أوباما بالتوصل الى الاتفاق النووي مع ايران. كان من المفروض ان يطمئن الاتفاق خصوم ايران في المنطقة الى ان ايران لن تطور سلاحا نوويا لكن بالنسبة لإسرائيل والسعودية والعديد من دول الخليج ايران تريد الاستفادة من كسر عزلتها الاقتصادية والسياسة وتحسين وضعها الداخلي المتاكل ولكنها ابدا لا تريد التخلي عن مشروعها النووي وفي النهاية هي ماضية لان تصبح قوة نووية. ان تحالف قوى اقليمية وعلى رأسهم إسرائيل بدعم من أميركيا يخلق حلفا وسدا في وجة الطموح التوسعي الإيراني في المنطقة وهو الرد الذي يسعى اليه خصوم ايران. واسرائيل لا تخشى ايران ولكنها تستغل خوف العرب من ايران لتصفية القضية الفلسطينية وتفرقة العرب اكثر مما هم متفرقون وفتح الأقفال الاقتصادية الهائلة مع دول الخليج وافريقيا.
كان الغاء الاتفاق النووي مع ايران هو احد اهم المواضيع الذي ركز عليها ترامب في حملتة السابقة 2016 وكان موضوع نقل السفارة الاميركية هو الموضوع الثاني وقد صدق ترامب في وعوده لناخبيه في المسألتين. فماذا سيتغير في حالة فوز جو بايدن نحو هاتين المسالتين؟ لا شيء. جو بايدن حليف قديم لإسرائيل والسفارة لن تعود الى تل ابيب. لا يتأمل الإيرانيون كثيرا من بايدن فهو لن يعود الى الاتفاق الأساسي الذي عقده أوباما والاتحاد الأوروبي وقد يسعى الى اتفاق معدل الامر الذي رفضته ايران بشدة وقد ترغم على قبوله لإنقاذ الوضع الاقتصادي والا سيكون هنالك تصعيد خطير في المنطقة خاصة وان الانتخابات الايرانية في يونيو 17 القادم قد تأتي برئيس محافظ اكثر تشددا.
والسياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص ليست من أولويات أي احد من الطرفين. وقد تركزت المناظرتان الاميركيتان الأولى والثالثة (الثانية الغيت بسبب أصابة ترامب بالكورونا) حول عدة مواضيع رئيسية، الشرق الأوسط والتواجد العسكري الأميركي فيه ليس من ضمنها: وباء الكورونا، النظام الصحي، التوتر العرقي،الهجره، وأمن الانتخابات (اتهامات متبادلة بين ترامبوبايدن حول التدخل الروسي والصيني ومؤخرا الإيراني في الانتخابات). وحتى الان يبدو ان كلاً من ترامب وبايدن في موقف واحد يسعى الى الحد من التدخل العسكري الاميركي الخارجي. وقد يكون اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في كانون الأول الماضي هو عملية نادرة لترامب الذي ركز اكثر على عقد صفقات مالية تجارية مع دول خليجية وغيرها وهي مسالة تناسب ترامب رجل الاعمال تماما الذي ذكر في احدى جولاته الانتخابية مؤخرا انة يُنتقد لانه ليس رجلا سياسيا وهذا صحيح فهو انتخب لانه رجل اعمال ولان الناس سئمت رجال السياسة وانه لو كان سياسيا لربما لم يتم انتخابه وترامب محق تماما في هذا مع ان الوضع من اربع سنوات ليس هو كما الوضع اليوم وليس بالضرورة ان يتم انتخابه مجددا هذه المرة.
ازداد الضعف الاميركي بقيادة اوباما الذي لم يفشل فشلا ذريعا فقط في سياسته الخارجية نحو سوريا والمنطقة بل وكانت سياسته سببا رئيسيا في تفاقم ويلاتها. فاذا كان جورج بوش قد كان احد الاسباب الرئيسية في احتلال وتدمير العراق فإن اوباما حامل جائزة نوبل للسلام والذي هلل له العرب كان عاملا رئيسيا في دمار الشرق الاوسط بكامله وتحويله مع حلفائه في المنطقة الى بؤر ظلام تكفيرية حين انسحب من العراق بدون ان يلتفت الى الوراء تاركا فراغا امنيا خطيرا خلق داعش وأعطى لإيران الحبل على غاربه لتفعل ما تشاء. نجح ترامب في تركيع عدد كبير من الدول العربية الذين يتمننون رضاه ويتمننون اعادة انتخابه. والدول الخليجية التي فرضت الحصار على قطر. وقطر نفسها تناروا في الحصول على دعم ترامب والتأكيد انة في صفهم ضد الاخر. ومن المستفيد في كل هذا الوضع: إسرائيل، ايران، اردوغان الذي يستغل ضعف العرب والمسلمين ليفرض وصاية وخلافة عليهم وهو المستمر بعلاقاتة الدبلوماسية والامنية مع اسرائيل، الروس، الدكتاتوريات العربية القديمة والجديدة التي جاءت بعد “الربيع العربي.”
لقد نجح بوتين منذ توليه اول سلطة حقيقية في روسيا، كرئيس وزراء تحت سلطة الرئيس بوريس يلتسين 1999، بالذي اراده معظم الروس بعد الانهيار السريع وغير المتوقع للاتحاد السوفياتي باعادة روسيا الى مركز المسرح العالمي كقوة عظمى قادرة على التصدي والتحدي للهيمنة الاميركية التي تجلت كقوة وحيدة بعد سقوط القطب السوفياتي واعطت المسرح للاميركان لان تصول وتجول في العالم بدون رقيب. فحين قررت اميركا غزو العراق تجاهلت معارضة الامم المتحدة وشركائها المانيا وفرنسا في الناتو وضربت عرض الحائط كل من عارضها. ولكن اميركا بعد سيطرة بوتين على روسيا لم تعد قادرة على شيء شبيه والقضية السورية اكبر مثال على ان ما كانت اميركا تستطيع فعله في السابق لم تعد تستطيع فعله اليوم بعد عودة روسيا كقوة عظمى فاعلة في السياسة العالمية لتفرض رؤى ومشاريع مضادة لاميركا. ترامب استطاع العودة بقوة الى الشرق الأوسط بفرض معادلات على الحلفاء والاعداء معا. لقد اتى ليعقد الصفقات وهو لا يهمه عدو او حليف وان انتخب لا استبعد عودة علاقات قوية مع الصين والتي توترت بسبب الوباء وإيجاد صيغة ما مع الإيرانيين فايران قوة كبيرة لا يجب الاستهانة بها.
في نفس الوقت يجب الا يغرق العرب الكارهون لاميركا او ترامب في وهم ان بايدن سيصبح حليفهم ولا الى ان بوتين هو المدافع عن قضايا العرب واردوغان عن قضايا الاسلام. وبالنهاية الشرق الاوسط هو ضحية الصراعات بين قوى دولية واقليمية بسبب الضعف العربي الكبير. فرغم جميع التدخلات التاريخية في المنطقة واقامة اسرائيل من الخطأ وضع اللوم على الاستعمار وعلى اسرائيل فقط رغم ادوارهما وتجاهل العامل الاهم في المعادلات العربية وهو العرب انفسهم. اننا شعوب نعاني من الجهل ونعاني من الانجرار وراء الاجنبي ونعاني من التطرف والرجعية وقمع الحريات. اذا بقيت الأمور على هذا الحال لن تتصفى القضية الفلسطينية فقط بل كل القضايا العادلة لهذة المنطقة.