مستشفيات في لبنان تُغلق أبوابها أمام المرضى.. سيناريو كورونا الإيطالي أو أسوأ

النشرة الدولية –

الحرة – حسين طليس –

على مدى العمر الزمني لانتشار جائحة كورونا، مثّل مشهد انهيار النظام الصحي في إيطاليا وبعض المدن الأوروبية، وما رافقه من سيناريوهات المفاضلة بين المرضى والاستنسابية في علاجهم هاجساً مرعباً للبنانيين، حكومة وشعباً، إدراكاً منهم لحجم الكارثة التي قد تصيب البلاد المنهارة اقتصادياً في حال ارتفاع الضغط على النظام الصحي المرهق أصلا.

الموت على أبواب المستشفيات، ليس بالسيناريو الجديد، هو واقع قائم في لبنان، حتى قبل أن يشهد العالم فيروس كورونا. تهالك نظام الرعاية الصحية في البلاد وانعدام الضمان الصحي للمواطنين، دفع بهم كردة فعل أولية مع بداية انتشار الجائحة إلى تسجيل نسب التزام مرتفعة حصلت على إشادات عالمية. حينها، كان الخوف محرّكاً لهذا الالتزام.

مضت ردة الفعل الأولية، وتمكن اللبنانيون من محاصرة الفيروس نسبياً، ودخلت البلاد في مرحلة التخطيط الحكومي لمكافحة الوباء، فتح المطار وعاد الفيروس على متنه، فيما فشلت الخطة الحكومية باحتوائه، عاد الفيروس ليضرب بقوة، حيث تجاوز عدد المصابين 84 ألفاً، وبات لبنان يحتل المرتبة 58 عالمياً في تسجيل الإصابات.

هذا الارتفاع سرعان ما بدأ ينعكس على حال المستشفيات في البلاد وقدرتها الاستيعابية، وبدأت تخرج إلى مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى المرضى من عدم استقبالهم والتدقيق في الحالات الطارئة والمفاضلة بينها، بسبب الانخفاض الحاد في القدرة الاستيعابية وعدد الأسرّة بالإضافة إلى النقص الحاد في المعدات والمستلزمات الطبية.

انتقاء المرضى

وصل اللبنانيون إلى المرحلة التي كانوا يخشونها باعتراف وزير الصحة، حمد حسن، الذي حذر في تصريح له، يوم الأحد الماضي، من “كارثة وشيكة” بسبب تزايد الإصابات، وعدم كفاية الأسرّة المخصصة للعناية الفائقة لتلبية الحالات الحرجة في مستشفيات وصلت إلى حدها الأقصى في الاستيعاب، في وقت يقترب فيه لبنان من الدخول في الموجة الثانية لانتشار الفيروس.

إليانا، مواطنة لبنانية عانت من ارتفاع كبير في حرارة الجسم، مع مشاكل تنفسية دفعتها إلى التوجه ليلاً إلى قسم الطوارئ في إحدى مستشفيات منطقة الأشرفية في بيروت لإجراء الفحوصات اللازمة، رفضت المستشفى استقبالها وذلك بناءً على معايير معتمدة حديثاً في قسم الطوارئ هدفها تأمين الرعاية للمرضى الأشد حاجة لها، ووفقاً لهذه المعايير حالة إليانا لم تكن مطابقة للمعايير المعتمدة.

انتقلت إلينا إلى مستشفى آخر في منطقة جبل لبنان، وواجهت المشكلة ذاتها، بحسب ما تروي لموقع “الحرة”، كذلك في المستشفى الثالث.

“عدت إلى منزلي حرارتي مرتفعة وتوجهت في الصباح الباكر إلى أحد المختبرات لإجراء صورة للرئتين إذ كنت أعاني في السابق من التهابات في الجهاز التنفسي، حتى في المختبر كان هناك تدقيق مشدد على مدى حاجتي لهذه الصورة وعلّقوا على عدم وجود طلب طبي بإجرائها، خلافا لما كان سائداً في السابق”، تقول إليانا.

أبو يحيى، 52 عاماً، توجه إلى المستشفى بعدما واجه عوارض دالّة على إصابته بفيروس كورونا، كانت حالته متقدمة نسبياً، لكنه لم يواجه أي عوارض قبل تلك الليلة، لم تستقبله 4 مستشفيات في بيروت، يقول لموقع “الحرة”: “واجهت واحدة من أصعب ليالي حياتي، كان تنفسي يضيق وترتفع حرارتي وأصبت بالبرد وألم في العظام”.

وأضاف “مع عدم استقبالي في المستشفيات بدأت أصاب بنوبات هلع وقلق خوفاً من وضعي الصحي، في اليوم التالي أجريت فحص pcr وجاءت نتيجتي إيجابية، ومع ذلك 2 من المستشفيات لم تستقبلني لعدم وجود أسرّة كافية في الأقسام المخصصة لمرضى كورونا، بعد وساطة مع وزارة الصحة واتصالات عدة، وجدوا لي مكاناً في مستشفى خارج بيروت أمضيت ليلتين وعدت بعدها إلى حجر منزلي بمواكبة طبيب العائلة الذي يتابع معي بروتوكول العلاج”.

لا يرى وزير الصحة في تصريحاته “مبرراً لعدم استقبال المستشفيات للمرضى”، لكن الواقع القائم بات بعيداً عما يراه الوزير، وبحسب معلومات “الحرة” فإن معظم مستشفيات لبنان لاسيما الخاصة منها، باتت تضع معايير متفاوتة بينها وخاصة بكل منها، وفقاً لقدرتها الإستيعابية وإمكاناتها المادية وقدرتها على توفير المستلزمات المطلوبة للعناية الصحية.

عجز وتلكؤ

يشرح النائب فادي علامة، وهو صاحب مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت، ونائب رئيس نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان، الآلية التي باتت تعمل وفقها المستشفيات في لبنان، لاسيما المستشفيات الخاصة، حيث باتت تسير وفقاً لنظام “سكرينينغ” الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية، وذلك في سبيل تفادي اختلاط مرضى كورونا مع باقي المرضى داخل المستشفى.

وعليه بات لزاماً على المستشفيات أن تجري فحص الـpcr لكل مريض يدخل إليها ولو كانت حالته طارئة، حيث يتم تقديم المساعدة الطبية اللازمة إلى حين صدور نتائج الفحوصات، فيما يجري التعامل مع الحالات الطارئة التي تتطلب عمليات أو تدخل طبي عاجل على أنها مصابة بكورونا وعليه يجري اعتماد بروتوكول العزل والوقاية من ناحية الفريق الطبي وغرفة العمليات.

يقول علامة إن “المشكلة أن مستشفيات لبنان، ليست جاهزة كلها لإجراءات العزل من ناحية الإمكانات المادية والبنى التحتية، خاصة من ناحية تخصيص مداخل خاصة ومعزولة وأقسام مجهزة لاستقبال مرضى كورونا وأنظمة تهوية خاصة ومعزولة عن غيرها”.

ويضيف “بعض المستشفيات ساعدتها الطبيعة الهندسية للبنى التحتية فيها وإمكاناتها المادية، والبعض الآخر لم تسعفه الإمكانات، وبالتالي تضطر هذه المستشفيات حرصاً على سلامة مرضاها من غير المصابين بكورونا إلى تشديد الإجراءات في الدخول إليها والإصرار على إجراء فحوصات pcr قبل إدخال المريض الجديد”.

ليس “كورونا” وحده المسؤول عن الأزمة، فواقع نقص المستلزمات الطبية والعجز عن استيرادها بالكميات اللازمة بسبب الأزمة الاقتصادية، ساهم في عجز المستشفيات عن مواكبة حاجة البلاد للرعاية الصحية، وبحسب ما توصل إليه موقع “الحرة”، فإن عدداً كبيراً من المستشفيات عمدت إلى إغلاق أقسام وطوابق وأجنحة كاملة بسبب نقص المعدات والمستلزمات المستوردة، وقد اثر ذلك بشكل كبير على القدرة الاستيعابية واستقبال المرضى، حتى ما قبل استفحال جائحة كورونا.

يعمل علي ممرضا في قسم الطوارئ التابع لإحدى مستشفيات بيروت، ويكشف عن سياسات صارمة اتخذت قبل أشهر منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ عمدت المستشفى التي يعمل بها إلى تقليص حجم استقبالها للمرضى من 150 إلى 80 للتماشي مع قدرة المستشفى على تأمين المستلزمات الطبية ووتيرة ورودها إلى المستشفى من قبل الموزعين، في حين جرى إغلاق 3 أقسام وطابق كامل، بسبب عدم قدرة المستشفى على تشغيلهم.

الأمر نفسه في مستشفيات طرابلس، إغلاق أقسام وطوابق وتقليل في القدرة الاستيعابية ونقص حاد في المستلزمات، وانتقائية مشددة في إدخال المرضى الأكثر حاجة للعناية والعلاج، وأولوية مطلقة لكورونا مقابل محدودية في عدد الأسرة المخصصة.

وللتعبير عن واقع المستشفيات الخاصة يضرب علامة مثلاً بتعميم مصرف لبنان رقم 573 الذي فاقم الأزمة حيث ينصّ على وجوب سداد الشركات المستوردة المبالغ المتوجّبة عليها للمصرف نقدًا، وليس بموجب شيكات مصرفيّة أو حوالات، وهذا ما يجبر المستشفيات أن تؤمن هذه المبالغ النقدية لمستوردي المستلزمات الطبية الذين أبلغوا المستشفيات أنهم سيتقاضون ثمن ما يؤمنونه نقداً وهذا ما تعجز اليوم المستشفيات عن تأمينه في حين أنها لا تتقاضى أموالها المستحقة من الدولة.

“شيطنة” القطاع الخاص

يرى علامة أن “النقمة الموجودة على المستشفيات الخاصة ناتجة عن التسويق الذي تمارسه الحكومة ووزارة الصحة لفكرة أن المستشفيات الخاصة في لبنان غير متعاونة ولا تقوم بواجبها في ظل الجائحة، فيما وزارة الصحة تطلب وتطلب دون أن تلبي المتطلبات المادية لمثل هذه الإجراءات والتي لا تتوفر لدى نسبة كبيرة من المستشفيات الخاصة في لبنان”.

ويضيف “منذ اليوم الأول الذي اجتمعنا فيه بوزير الصحة، كان لديه توجه لتقوية القطاع العام واعتماده كخط دفاع أول في وجه كورونا وهذا حقه، لكن لماذا لم يتم هذا الأمر حتى الساعة؟ لماذا لم يكتمل تجهيز المستشفيات الحكومية بالكامل لمواجهة هذه الجائحة وتخصيصها في هذا السبيل؟ كثير من دول العالم وضعت كل إمكانات القطاع العام في خدمة مشروع مواجهة الفيروس وحولت باقي المرضى والحالات الصحية إلى القطاع الخاص”.

ويقول علامة “أو العكس، القطاع الخاص في لبنان يغطي 80 في المئة من حاجة البلاد الاستشفائية، لماذا لم تعمد الحكومة إلى المضي مع القطاع الصحي الأقوى في البلد، في ظل جائحة بحجم كورونا وخطورته، لماذا لم تبدأ الدولة بتقوية القطاع الخاص ومساعدته ليكون خط الدفاع الصحي الأول في البلاد، ومن بعده نقوم ببناء القطاع العام ليكون قادرا على تحمل هذا العبء، وهذا ما لم يحصل”.

الوزارة فشلت والآتي أسوأ

يعتبر علامة أن الحكومة فشلت في تأمين المتطلبات المادية لخطة تقوية القطاع العام، كذلك بالنسبة إلى الحاجات البشرية في الطواقم الطبية لمستشفيات القطاع العام، والحاجات اللوجستية، إضافة إلى الخبرات. “وحين فشل القطاع العام كل تلك المدة يريدون نقل هذا الفشل ورميه على القطاع الخاص عبر تهييج الرأي العام وتصوير القطاع الخاص بمشهد غير المتعاون والمقصر في استقبال المرضى”.

لا يخفي علامة أن مستشفيات لبنان دخلت بالفعل في أزمة استيعاب أعداد المرضى في لبنان، ويضرب بمستشفى الساحل مثلاً، حيث تتسع لـ12 سريراً مخصصا لمرضى كورونا بينهم سرير واحد في العناية المركزة، ويقول “كل هذه الأسرّة اليوم بحالة إشغال كامل ولم ندخل بعد في الموجة الثانية للفيروس بعد قرابة الشهر”.

ويضيف “موسم الانفلونزا سنشهد أرقاما مخيفة لإصابات كورونا، حيث لن يصمد النظام الصحي بحالته الحالية، في كل دول العالم خصصوا مساعدات كبيرة للقطاعات الصحية، إلا في لبنان، حيث يجري تقاذف المسؤوليات، في حين أن الواقع يظهر خطاً في الاستراتيجية من أساسها كان يجب دعم القطاع القوي وليس تقوية قطاع ضعيف، في زمان كارثة مثل هذه”.

“أضف إلى ذلك أن خطط الإقفال المعتمدة كلها غير مجدية، وترفع الضغط على المستشفيات بدل خفضه، مثلا استراتيجية إقفال المناطق التي أثبتت جدواها في فرنسا وإيطاليا، لكن الأمر لم يطبق بتلك الحرفية في لبنان، حيث جرى إغلاق بلدات وبلديات يفصل بينها شارع وحي وليس إقفال مناطق كاملة”

إضافة إلى ذلك “لم تواكب عملية الإقفال على الأرض حيث نسب الإلتزام كانت متفاوتة وبالتالي لم يترجم الإقفال العام بانخفاض الضغط على المستشفيات لمنع انهيار النظام الصحي، وإفساح المجال أمام أكبر عدد ممكن من المرضى لتلقي علاجهم”، على حد تعبيره.

يختم علامة محذراً من أنه ومع الموجة الثانية من الجائحة، ووسط عدم القدرة لدى المستشفيات الخاصة على تأمين أسرة العناية الفائقة ونقصها في القطاع العام، فإن لبنان سيشهد، في الشهر المقبل، مع موسم الإنفلونزا، مشهدا أسوأ من المشهد الإيطالي الذي أرعب العالم  وقد يصبح مضرباً للمثل كـ”نموذج لبناني” أشد خطورة، وأول بوادره بدأت بالظهور، حيث لا مكان لكل الناس اليوم في المستشفيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button