انتخابات المتن تابع
النشرة الدولية –
بات آذار الموعد الشبه المحسوم لأهم إستحقاق إنتخابي قد يحصل على الأراضي اللّبنانية. ضبابية هي التحالفات تماما كالنتائج الغير متوقعة، خاصة مع بروز قوى جديدة تطمح للتغيير، وهي قوى المجتمع المدني. ثلاثة أحداث أساسية رسمت خارطة طريق المشهد السياسي اللبناني، أولها ثورة 17 تشرين وما أفرزته من قوى تغييرية جديدة، وثانيها الإنهيار المالي الغير مسبوق والذي أصاب المودعين شر الإصابة، وثالثها إنفجار 4 أب الذي أسقط الشرعية السياسية الشبه كاملة عن هذه المنظومة داخليا كان أم خارجيا. فكيف ستترجم هذه الأحداث في صناديق الإقتراع؟
معركة دائرة جبل لبنان الثانية
لم تكن انتخابات 2018 انتخابات عادية في دائرة جبل لبنان الثانية- المتن. وقعُ الإنتخابات سقط َثقيلاً على الأحزاب، العونيين منهم، و الكتائبيين. يومها استطاع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دخول الساحة بذكاء، حيث حسم الجدل آنذاك حول قدرته على تأمين الحاصل الانتخابي، واستطاع إدي أبي اللّمع دخول الندوة البرلمانية بعد فشل تجاربه عاميّ 2005 و 2009. وحده ريّس “العماره” الراحل أبو الياس استطاع فرض نفسه مجددا، بحلوله الثاني، بفارق ما يقارب الألفي صوت عن سامي الجميل صاحب أكبر حاصل إنتخابي، منصباً نفسه زعيما يستطيع أن يقارع قلاع الأحزاب المتواجدة.
على الشكل التالي أتت نتائج الإنتخابات وقتها: رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أولاً بحاصل بلغ 13968 صوتاً تفضيليا مقابل حصول اللائحة على 19003 أصوات، يليه النائب ميشال المر ثانيا بفارق ما يقارب الألفي صوت فقط وبحاصل بلغ 11945 صوتا تفضيلياً مقابل 13779 صوتا للائحته التي شكلها بنفسه، ومن بعده يأتي المرشح القواتي إدي أبي اللمع صاحب 8922 صوتا تفضيلياً.
وما يلي المركز الثالث تكمن الخيبة في طياته، التي تتمثل بالتيار الوطني الحر الذي التمس السخط الجماهيري، حيث حل النائب الأول للتيار الوطني الحر الياس بو صعب رابعا بحاصل بلغ 7922 صوتا تفضيلياً، وتلاه النائب اغوب باقرادونيان بحاصل بلغ 7182 صوتا خامسا، ومن بعده زميله إبراهيم كنعان ب7179 صوتا سادسا بعد تجيير الأصوات لمصلحة ادكار معلوف الذي حصل على 5961 صوتا تفضيليا، في ظل حصول اللائحة على 39000 صوت تفضيلي.
وتذيل الترتيب النائب الياس حنكش الكتائبي بحاصل بلغ 2583 عن المقعد الماروني.
نتائجٌ وُصفت بالكارثية على التيار البرتقالي الذي لاقى تململاً داخل دائرة جبل لبنان الثانية، ولا ينكر أحد كيف حاربت الماكينة للإتيان بالحاصل للنائب إدكار معلوف، وكان ذلك عبر سلخ الأصوات من ابراهيم كنعان وتجييرها للمعلوف لحفظ ماء الوجه.. تضحية قدمها كنعان مرغما لا بطل.
ريس العمارة الثمانيني النائب الياس المر ثبّت أعمدة حصنه، وقرر وقتها الدخول وحيدا بعد فشل المفاوضات ما بين الكتائب والتيار العوني ورفض المر لاحقا خوض الإنتخابات بنفس اللائحة معهم. الشرعية المتنية إستطاع المر انتزاعها بالغصب، بعد معركة فردية خاضها إستطاع أن يخرج منها محتلا المركز الثاني برصيد أصوات وصل إلى 11945. نتيجة تفرِضُ منطقيا على العونيين و الكتائبيين مراجعة أدائهم النيابي، فهكذا نتيجة أعطت الشرعية التي يكاد لا يستطيع أحد تحصيلها وحيدا.
المر الذي بات له بصمة مميزة في المتن استطاع ان يحارب التيار الوطني الحر وحيدا ونجح. النزعة التغييرية التي تأخذ بالانتشار داخل لبنان قررت عائلة “المر” تبنيها إذ أن الصورة باتت واضحة تقريبا وتكمن في ترشيح نجل الوزير السابق الياس المر ” ميشال الياس ميشال المر”. شاب يخاطب الثورة الشبابية اللبنانية، والتي تقضي بضخ دم شبابي جديد على الساحة السياسية. لا شيء واضح داخل “العمارة” حول التحالفات مثلها مثل بقية الأحزاب التي باتت تصارع الوقت لاستدراك الخسائر، تماما كالكتائب التي “ركبت” موجة الإنتفاضة وقررت الإنتقال لجبهة المعارضة بعد فرضها لنفسها واقعا جديدا تجلى بالاستقالة من المجلس النيابي. أما الصوت الشيعي والذي لا يستهان به متنيا سيستفيد منه المر خاصة بظل وجود علاقة قوية ومتينة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي حتما سيجير الأصوات الشيعية التي يمتلكها متنيا لمصلحة “المر”. أما حيثية إميل إميل لحود فالضبابية لا تزال تحوم حولها إلا أنه في حال لم يترشح، فإن الأصوات ستُجير هي الأخرى لمصلحة ابن اخته “ميشال الياس المر”.
التشتت المتني بين الأحزاب يبرز بوضوح عند الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي تفرّع لأجنحة متعددة، ما يستدعي صحة القول ” لي من إيدو الله يزيدو”، فهذا التفتت الداخلي تبعه تفتت للأصوات عام ٢٠١٨، حيث حصل مرشح القومي آنذاك غسان الأشقر على 2757 صوتا والذي كان ضمن لائحة المتن القوي أي التيار العوني، أما المرشح الأخر وعن نفس المقعد كان ميلاد فارس السبعلي عن لائحة الوفاء المتنية والذي حصل على ما يقارب ٤٠٠ صوت. تشتت القومي دُفع ثمنه في الإنتخابات الأخيرة، أصوات قومية قاربت ١٢٠٠ صوت جيرت للنائب إلياس ابو صعب، إضافة الى اعتكاف القوميين حينذاك عن الاقتراع بسبب التشتت والانقسام الداخلي للحزب. أما اليوم فليس أفضل من أمسه، فالأجنحة ازدادت والولاءات تبدلت، والأولويات تشرذمت.
حسب الأرقام فإن قضاء المتن يواجه تململ كبير من قبل الرأي العام وما يؤكد ذلك هو عدد المقترعين الذي وصل في انتخابات ٢٠١٨الى ٩٢٤٤٦ مقترع، مقابل ١٨٣٧٤٠ ناخبا. هذا الامتعاض من الرأي العام لم يترجم عمليا بتسمية أشخاص ووجوه، أو بوجود رافعات جديدة لهذا الواقع تُمثل رغبة أكثر من ٥٠٪ من الذين أبدوا عدم رغبتهم بالمشاركة. وهذا ما يطرح مدى قدرة دخول المجتمع المدني والخرق إنتخابيا. فالارقام تشير ان الى ان التيار العوني وفي حال لم يستدرك تراجع القاعدة الشعبية له خاصة بعد الفشل الذريع للعهد البرتقالي، وتخبيص الصهر “جبران باسيل” وما يتبعه من امتعاض داخل التيار، كله في حال عدم الاستدراك سيؤدي حتما الى خسارة مقعد من المقاعد الأربعة. أما القوات اللبنانية فإن الأرقام تؤكد بأنها ستحافظ على مقعدها الوحيد في المتن مع الابقاء على مرشحها إدي أبي اللمع، الذي استطاع اختراق الجو المتني والحلول ثالثا على صعيد دائرة جبل لبنان الثانية.
أما زخم إستقالة الكتائب من المجلس النيابي من الممكن أن يكون فرصة قد يستغلها الجميل وذلك من خلال ضم المرشحين المستقلين الى لائحته، وهذا ما يشير الى امكانية تحالف المجتمع المدني مع حزب الكتائب نظرا الى تقاطع الأفكار والتطلعات.
أما القومي فحدث ولا حرج، فإن القاعدة الشعبية ستمتنع حتما عن الادلاء بالأصوات للتيار،ولا ضرورة للقرار الحزبي إذ أن القاعدة الحزبية تقول “اكسرلي ايدي وما بقى بصوت للتيار.”
أما حيثية سركيس الياس سركيس لا شيء واضح حول التحالفات لكن من المؤكد بأنه مرشح لكن في ظل الخسارة الداخلية للتيار وخسارة القومي، فما من أمل له بالوصول خاصة بعد حصوله على ٤٣٣٧ صوتا تفضيليا من اصل ٤٨٨٩٧ صوتا للائحة التيار التي ترشح عليها. كل هذا يأتي في ظل كلام شبه أكيد عن خروج الأرمني من تكتل لبنان القوي، ومما سيشكله من خسارة أصوات إضافية تضاف للنقمة الشعبية على التيار، فإن كانت الخسارة خفيفة في المتن إلا أن وقعها سيكون أكبر بكثير في كل من كسروان وجبيل.
بالتالي فإن المجتمع المدني في المتن على موعد مع معركة طاحنة سيخوضها أغلب الظن مع الجميل، وهذه المعركة ستعطي خرقا للمجتمع المدني، وزخما جديدا للكتائبيين الذين التمسوا في انتخابات ٢٠١٨.