انقسام أميركا الانتخابي سيذهب بعيدا* وليد فارس

النشرة الدولية –

اندبندنت  عربية –

متابعو الانتخابات الأميركية والمنخرطون فيها باتوا يعرفون جيداً أهم نتائجها، بغض النظر عمن سيدخل البيت الأبيض في النهاية، في بداية 2021، فالانقسام الذي أحدثته سيمتد إلى مجالات عدة، ويذهب بعيداً. وهذه هي الأسباب.

لقد خلقت نتائج التصويت مشكلات هائلة، هزت أميركا في العمق، وستستمر أشهراً وسنوات. الهزة الأولى تفجّرت بعدما فرض حكام الولايات الديمقراطيون نظام الانتخاب بواسطة البريد للمرة الأولى لعشرات الملايين من الناخبين. وهو نظام جديد، غير مختبر، بالتالي مليء بالمخاطر الإدارية والتقنية.

تبين بالفعل أن الثمانين مليون بطاقة انتخابية التي أرسلت بالبريد إلى المواطنين، وتلك التي أرسلها الناخبون إلى مراكز الاقتراع أحدثت خلافات ومشكلات عديدة قد تنتهي في المحاكم لأسابيع أو أشهر. فهي غمرت الموظفين كتسونامي، وبات فرزها صعباً، ومن ثمّ توقيت إعلانها بدا كأنها أضيفت إلى بطاقات الانتخاب ليوم الثالث من نوفمبر، ما خلّف اعتراضاً من حملة ترمب، بأنه سوف يذهب إلى المحاكم.

لماذا التصويت بواسطة البريد، وبهذه الضخامة، مع كل المخاطر التقنية؟ لأن المعارضة اعتبرت أن هناك مخاطر من إصابة المواطنين بكورونا إذا ذهبوا إلى مراكز الاقتراع. إلا أن المفارقة أن المواطنين نفسهم يذهبون يومياً للتبضّع، وإلى الصيدليات والمحال التجارية ويضعون الكمامات. بل أكثر من ذلك، إذ إنه بعد ما جرى إرسال ملايين البطاقات بالبريد، فُتحت أبواب مراكز الاقتراع للمشاركة المبكرة مع تطبيق التباعد الاجتماعي.

السؤال، لماذا طُلب من الملايين أن تستعمل البريد كي لا تذهب إلى المراكز، وبعد ذلك سُمح لملايين أخرى أن تذهب؟ الجواب بسيط: تعتقد حملة ترمب أنها كتلة من الأصوات البريدية جاهزة، لتضاف إلى تعداد البطاقات في حال تقدم الرئيس ضد بايدن كما حدث في ولايات عدة.

وأياً كان الموضوع ونتائجه، فقد أحدثت الانتخابات انقساماً عميقاً بين الأميركيين، فنصف البلاد يشعر بأن هناك من “يُقرصن” الانتخابات. أضف إلى ذلك أن حملة بايدن أعلنت بشكل مفاجئ إيقافها متابعة الفرز مساء الانتخاب، وأن بايدن “على طريق النصر” من دون نتائج رسمية. وتبع ذلك إعلانه والإعلام المؤيد أنه بات يكسب الولايات، الواحدة بعد الأخرى، بينما مُنع الرئيس ترمب من إعلان انتصاراته. بالتالي ساد شعور لدى كتلة ترمب أن الانتخابات “تُسرق منه”، واتُهم البيروقراطيون المؤيدون لبايدن وأوباما بأنهم يقفون وراء المناورة.

هذا وكانت حركة أنتيفا و”ب  ل  م” (حياة السود مهمة) قد أعلنتا حشد أنصارهما أمام البيت الأبيض لـ”احتلاله” إذا لم يقبل ترمب بـ”الانسحاب منه” بعد إعلان بايدن فوزه بالانتخابات. وأدى ذلك إلى قلق لدى المواطنين من حدوث مجابهات مع الشرطة، وأقفل أصحاب المحال التجارية أبوابهم.

المسألة ستُرفع إلى المحاكم، وبالنهاية إلى المحكمة العليا لحسمها. كما حصل في نطاق أضيق منذ عشرين عاماً بين بوش وغور في فلوريدا. أميركا انقسمت انتخابياً، وتتجه إلى انقسام عميق سياسياً، وقد تصل إلى معضلة قانونية خلال الأسابيع المقبلة.

كما يعتبر بايدن نفسه الرئيس الجديد، يعتبر ترمب أنه الرئيس المُجدد له. وستغدو المحكمة العليا أمام قرار خطير وتاريخي لحسم اسم رئيس البلاد. وقد تنفجر تطورات أخرى مثل إعلان رئيسة المجلس النيابي نانسي بيلوسي أنها هي الرئيس المرحلي للبلاد حتى حسم الموضوع. وتطلب من قطاعات الدولة أن تأخذ الأوامر منها.

هذا المشهد الدراماتيكي المشابه لأفلام هوليوود قد يحدث في الواقع. إلا إذا جرى أمر من اثنين: أن يتبين من الفرز الكامل أن أحد المرشحين فاز بشكل حاسم، بغض النظر عن الأصوات البريدية، أو أن تصدر المحكمة العليا قرارها، وتتبعها مؤسسات الدولة. يا لها من أيام في أميركا، والعالم يزداد قلقه على مستقبل القوة العظمى التي تحمي المجتمع الدولي من خطر القوى المتطرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button