خلافاً لادعاءات الأسد: حجم ودائع السوريين في لبنان ومصيرها* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
بعد أكثر من 9 سنوات من الحرب والقتل والدمار في سوريا، وما رافقها من حصار وعقوبات أميركية وتأزم اقتصادي وانهيار نقدي وما نتج عن ذلك من تضخّم وفقر وجوع وهروب استثمارات وخروج ودائع وتعطل قطاعات الإنتاج.. بعد كل ذلك، يأتي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليزيح عن عاتقه جريمة تدمير اقتصاد بلده ويلقيها على المصارف اللبنانية منفردة، فباعتقاده أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري منذ قرابة العشرة أشهر ترتبط بشكل أساسي بحجز أموال السوريين المودعة في المصارف اللبنانية، والتي يتراوح حجمها، وفق “الأسد”، بين 20 مليار دولار بالحد الأدنى و42 مليار دولار كحد أقصى.
تجاهَل الأسد، في معرض حديثه عن الأزمة الاقتصادية السورية وإلقاء وزرها على عاتق المصارف اللبنانية منفردة، ما سببته إجراءات الحصار الأميركي المستمرة منذ سنوات على سوريا، ومفاعيل قانون قيصر الذي أحكم الخناق مؤخراً على كافة منافذ الاقتصاد السوري، وممارسات النظام الإجرامية التي دفعت بالمستثمرين كباراً وصغاراً إلى الهروب بأموالهم ومؤسساتهم من سوريا إلى الإمارات ومصر وباقي الدول بحثاً عن الأمان.
حجز الودائع
لا شك أن المودع السوري تعرّض كما المودع اللبناني، وباقي المودعين في المصارف اللبنانية من مختلف الجنسيات، إلى عملية سطو مقنّع من قبل السلطات النقدية والمصرفية في لبنان، وبرضى وتواطؤ السلطات السياسية. فلا تبرير يعفي المصارف اللبنانية اليوم من مسؤولية حجز أموال المودعين، مقيمين أم غير مقيمين، دون وجه حق ودون أي مسوغ قانوني. لكن جريمة المصارف اللبنانية بحق المودعين لا يمكن أن تكون سبباً رئيساً لجريمة تدمير الاقتصاد السوري كما يدّعي الأسد، خصوصاً أن الأرقام التي عرضها لا تمت إلى الواقع بصلة.
تختلف أرقام الودائع السورية في المصارف اللبنانية في دراسات وتقارير سورية واردة في مؤسسات إعلامية موالية بمجملها، لكنها تلتقي جميعها على أن الودائع تفوق 40 مليار دولار. ولا تخفي تلك الدراسات والتقارير في الوقت نفسه أن المصارف اللبنانية كانت تتجنّب منذ بداية الحرب السورية استقبال ودائع لسوريين، خوفاّ من تورطها في قضايا تبييض أموال أو تمويل إرهاب، ووقوعها فريسة عقوبات أميركية. هذا التناقض إنما يؤكد عدم صدقية الحديث عن عشرات المليارات من الدولارات العائدة لمودعين سوريين في المصارف اللبنانية، خصوصاً في السنوات الأخيرة (أي بعد العام 2011).
حجم الودائع بالأرقام
الودائع السورية في لبنان ليست بالحجم الذي أعلنه الاسد. فالرقم غير دقيق على الإطلاق. والودائع السورية بغالبيتها سُحبت من لبنان خلال الأزمة السورية، كما يؤكد الخبير الاقتصادي والمصرفي غسان عياش، في حديثه إلى “المدن”. وإذ يذكّر عيّاش بأن الأزمة الاقتصادية السورية تزامنت مع الحرب عام 2011 حين بدأت الليرة السورية بالتراجع، ووصولها لاحقاً إلى الحضيض، يسأل هل ما حصل في الأشهر الأخيرة في لبنان يمكن أن يكون سبباً رئيساً للأزمة السورية المستمرة منذ سنوات؟
وإذا ما تناولنا الأمر بالأرقام فقط، سنجد أن الودائع السورية في المصارف اللبنانية لا تزيد عن 8 مليارات دولار. إذ أن حجم الودائع لجميع الـnon resident أي المودعين غير المقيمين من سوريين وخليجيين ومغتربين لبنانيين وجنسيات أخرى تقارب نسبة 20 في المئة فقط من مجمل الودائع المصرفية، أي ما لا يزيد عن 40 مليار دولار فقط، وفق ما يؤكد رئيس لجنة الرقابة على المصارف سابقاً، الدكتور سمير حمّود، في حديثه إلى “المدن”. فكيف يمكن احتساب ودائع السوريين بـ40 مليار؟ وهل أن غير المقيمين جميعهم سوريين؟ يسأل حمود.
وإذ يؤكد حمود، الذي واكب القطاع المصرفي اللبناني في السنوات السابقة، تزامناً مع الحرب السورية، أن ودائع السوريين في المصارف اللبنانية تتراوح بين 6 و8 مليارات فقط. ويوضح أن المصارف اللبنانية كانت تتهرّب من استقبال أموال المودعين السوريين خلال السنوات الماضية، خوفاً منها من الوقوع في شرك العقوبات الأجنبية. وهذا الأمر كان موضع نقاش دائم “إذ كنا نعتبر أن المصارف أخطأت في التهرب من استقبال أموال نظيفة لمودعين سوريين غير مشتبه بهم. لكن المصارف كانت قلقة، وعمدت إلى التهرّب من استقبال المودعين السوريين، ما دفع بعدد كبير منهم إلى الإنتقال بأموالهم خارج لبنان”، فالأموال السورية لم تهرّب إلى الخارج، إنما جرى التهرّب منها من قبل المصارف اللبنانية.
على أي حال، لم يسأل الأسد نفسه، ولن يسأل، لماذا أصلاً يعمد السوريون منذ عقود إلى وضع أموالهم في بنوك خارج سوريا.
نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني