لبنان: عقوبات باسيل والإصطفاف المسيحي والحكومة المعلقة
النشرة الدولية –
لبنان 24 – هتاف دهام –
لطالما حاول رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن يتأبط ذراع الإدارة الأميركية، فحاول منذ ما قبل الانتخابات النيابية (2019) التقرب من بعض المسؤولين في دوائر القرار عبر الكثير من الوسطاء اللبنانيين والأميركيين، بيد أن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل وبقيت أبواب الوزارات المعنية والكونغرس موصدة أمام الوزير العوني الذي كانت تقتصر جولته في أميركا الشمالية خلال الزيارات التي كان يقوم بها على الجالية اللبنانية وأصدقاء التيار الوطني الحر والمشاركة في بعض المؤتمرات.
كل الإلحاح العوني لم ينجح في استقطاب الأميركيين، ولعل ما صدر في الشهرين الماضيين من تصريحات ومواقف وتسريبات وصولاً إلى استثناء لقاء المسؤول الأميركي دايفيد شينكر مع باسيل في زيارته الأخيرة للبنان كانت تنذر بأن نائب البترون لن يكون بمنأى عن الحصار الأميركي، ففي سياسة باسيل، بحسب مصادر مطلعة على الموقف الاميركي لـ”لبنان24″، ثمة ما هو فوق الطاولة، وثمة ما هو تحتها، فهو يريد أن يركب الموجة الأميركية التي يدرك أنها قد تكون الريح الوحيدة التي قد تحمله إلى بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، ولذلك حاول في الأونة الأخيرة أن يضع رجلاً في الفلاحة ورجلاً في البور، فبينما حاول استرضاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب في قضية العميل عامر الفاخوري ولعب دوراً رئيسياً في تسريع خطوات القضاء والافراج عنه، وصولا إلى إطلاقه سلسلة مواقف في خطابه بذكرى 13 تشرين تتصل بالحياد وترسيم الحدود وغيرها من النقاط التي تتضارب مع موقف حزب الله وتنسجم مع السياسة الأميركية تجاه لبنان، بيد أنه لم يتردد في الخطاب نفسه في تحميل الولايات المتحدة مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، عندما قال إن سبب الأزمة هو قلة الدولار والمسؤول عنها الذي يطبع الدولار، وأبعد من ذلك فباسيل نفسه في مؤتمر الأديان الذي عقد في تشرين الثاني من العام الماضي، حمّل واشنطن من دون أن يسميها مسؤولية الاضطهاد الديني عندما قال إن بعض المسيحيين في الغرب يمارسون هذا الإضطهاد المصلحي المنفعي على المسيحيين في الشرق عامةً وفي لبنان تحديدًا، تحقيقاً لمصالحهم مدركين ولكن متغافلين أن هذه السياسات أدّت وتؤدي إلى إفراغ الشرق من مسيحييه، وتفريغ التعدّدية من جوهرها في منطقتنا وبلدنا، وأن هذه السياسات أنتجت حروبًا وصراعات في الشرق كان آخرها الربيع العربي الذي تحوّل شتاءً قارساً.
وسط ما تقدم، لم يكن مفاجئا وقع قرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على باسيل تحت مظلّة قانون ماغنيتسكي الذي يستهدف الفساد والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. فالعقوبات على باسيل كانت في ادراج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية وتنتظر التوقيت الاميركي المناسب، خاصة وان ادارة الرئيس ترامب بحسب المصادر نفسها أعطت المسؤول العوني فرصاً كثيرة لم يتلقفها، فهو دأب على اللعب على الحبال، مستنداً إلى بعض أصدقائه الديمقراطيين في إشارة إلى إليوت إنغل الذي خسر موقعه كرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، فضلا عن أنه لم يبتعد عن حزب الله الذراع الرئيسي لايران.
فهل تكون هذه العقوبات مقدمة لابتعاد التيار البرتقالي عن حزب الله وتسليم الأخير بالشروط الأميركية لكي لا يخسر حلفائه الواحد تلو الاخر؟
وفق مصادر مطلعة لـ”لبنان 24″ من المرجح أن يلجأ تكتل لبنان القوي إلى إجراء مراجعة لمواقفه وتحالفاته، فالنواب البرتقاليون أصحاب النفوذ والثروات ولديهم ارتباطات غربية وتحديدا أوروبية على وجه التحديد، عطفا على رجال الاعمال المسيحيين، لن يسلموا أن يصبحوا فرق عملة التحالف مع حزب الله الذي ليس لديه ما يخسره، في حين أن الشارع المسيحي قد يصبح في مهب العواصف الاميركية، لا سيما ن المتابعين للسياسة الاميركية يؤكدون أن الاستراتيجية الاميركية تجاه لبنان والمتصلة بالعقوبات ضد حزب الله وحلفائه لن تتغيرمع الديمقراطيين، الأمر الذي قد يدفع بعض الوزراء والنواب العونيين الحاليين والسابقين إلى قراءة جديدة للواقع الراهن، لتجنيب أنفسهم المخاض العسير، وهذا ما ظهر في التزام الكثير من أصحاب المعالي والسعادة البرتقاليين الصمت، أو التعليق على فرض العقوبات على باسيل بطريقة ملتبسة تحمل الكثير من التأويلات ولا تمس واشنطن لا من قريب ولا من بعيد.
وليس بعيداً، فالأكيد، بحسب المصادر، أنه عطفا عن ريبة بعض العونيين من العقوبات، فإن الكثير من الشخصيات المسيحية المستقلة الكسروانية والزحلية والتي تظن انها دفعت ثمن الثورة البرتقالية (رغم محاولتها في مرحلة سابقة ترتيب علاقتها مع باسيل)، التزمت الصمت ايضاً ، فهي ترى أن استهداف رئيس تكتل لبنان القوي من شأنه أن يدفع نحو انحسار المد البرتقالي لصالح الاحزاب المسيحية الصغيرة والمستقلين والشخصيات المسيحية المحسوبة على المجتمع المدني لا سيما في الانتخابات النيابية المقبلة.
وعليه، فإن العقوبات الاميركية على شخصيات سياسية بتهم الفساد لن تتوقف. والحبل على الجرار تقول المصادر نفسها. وإلى أن تصدر للعلن، فإن استحقاق الحكومة يجب أن يسلك طريق التأليف، فالتصعيد العوني لن ينجح، ولن يكون في مصلحة العهد على الإطلاق وعلى حزب الله عدم التعطيل في ملفي الحكومة ومفاوضات الترسيم. في حين أن مصادر سياسة أخرى ترى أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لن يكون بمقدوره تشكيل حكومة في الوقت القريب، فحزب الله وحلفائه قد يلجأؤون الى تمديد الفترة الانتقالية واللعب بالوقت الضائع الفاصل عن وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن الى البت الابيض وتشكيل فريق عمله ومستشاريه، ليبنى على الشيء مقتضاه بعد هذه الفترة الزمنية التي يرجح المعنيون أن لا تتجاوز أربعة اشهر، علما أن هذه المصادر ترى أن الحريري سيكون الاكثر ارتياحاً وقوة على المستوى السياسي من الأطراف السياسية الأخرى.