بايدن… “شو جابك عَ حارتنا؟”* حمزة عليان

النشرة الدولية –

لم أجد مبرراً مقنعاً للفرحة التي عمت القيادة ال#فلسطينية بفوز جون بايدن، فرد الفعل هذا لم أفاجأ به، فالخيبات المتتالية من قيادات منظمة التحرير تجعلني في “حارة الأمان”.

الاندفاعة السريعة هذه، لا تبشر بالخير، وتعطي الانطباع بأننا لم نتعلم الدروس بعد بكيفية الفهم والتعاطي مع الإدارات الأميركية، سواء كان الجالس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض من الجمهوريين أو من الديمقراطيين.

ويبدو أن “الفرحة” لم تكتمل، فما هي إلا ساعات حتى خرجت رئيسة فرع الحزب الديمقراطي من إسرائيل “هدرا ستون” لتقول للعالم وليس فقط للفلسطينيين إن “جون بايدن صهيوني منذ نشأته في البيت الأبيض”!

لا داعي للفرحة، فإسرائيل عند بايدن “ضرورية لأمن اليهود في جميع أنحاء العالم”، بل إن الرجل الأبيض القادم إلى “بيته” يفاخر أمام مؤتمر “إيباك” في أحد مهرجاناته أنه لا يشترط أن يكون يهودياً ليصبح صهيونياً، فهو “صهيوني” بامتياز.

يذهب ترامب ويأتي بايدن، تبقى إسرائيل حليفة وصديقة لأميركا، تدفع لها الملايين يومياً من الدولارات ومن دافعي الضرائب عندها للحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري.

حاولت أن أمضي في قراءة للعلاقة التي سيتعامل فيها بايدن مع قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقطار التطبيع الذي انطلق في عهد ترامب، لكن عيسى القواسمي وأكرم هلال الذي انطلق في عهد ترامب لم يتركاني وشأني هذه المرة. فالجولات التي رافقناهما فيها عبر الفيسبوك والنقل المباشر لحياة الناس “بالعتيقة” و”لصباح الخير يا بيت ساحور”، جعلتني أقرب إليهما من حالة الهذيان والضياع التي أصابت “قياديي السلطة”!

سألت نفسي، كم مواطناً عربياً أو عالمياً لديه فكرة عن حياة الناس في “بيت ساحور” و”القدس العتيقة”؟ وعن الظروف التي يعيشونها في ظل الاحتلال؟

ما أقدم عليه أبناء تلك البلدتين، يوازي بأهميته جحافل الإعلام الذي صدع آذاننا بالكلام الفارغ والشعارات الطنانة طوال عقود مضت عن التحرير والحرية والدولة!

أكرم هلال، ذاك المصور الصحفي الفسطيني المتوقد شعلة من النشاط والانتماء الخالص لأرضه وهو الذي عرفناه جيداً في بيروت أيام العمل سوياً في صحيفة “السفير”، يأخذنا صباح كل يوم إلى تلك القرية وبأهلها وبناسها وبكل ما فيها من نشاط، يشعرك كأنك تعيش بأزقتها لحظة بلحظة، أخذنا أكرم إلى معصرة الزيتون وعرفنا أن الموسم ضعيف هذه السنة، في اليوم التالي كانت كاميرته ترافق تشييع أحد أبناء البلدة والقداس الذي أقيم عن روحه، ذهب بعدها إلى ندوة تتحدث عن إحياء المواقع التراثية والدينية.

“صباح الخير يا بيت ساحور” لزمة يومية تقيس فيها نبض الحياة من كل جوانب بدون تجميل أو تزيين، هي أشبه بنشرة صباحية تغنيك عن المماحكات السياسية والصراعات التي قصمت ظهر الشعب الفلسطيني واللعبة المميتة بين فتح وحماس.

يبقى عيسى القواسمي إبن القدس القديمة، ذو العقد السادس من عمره ورفيق دربه حسام، هذا العيسى أسطورة عندما يحدثك على الهواء مباشرة عن “العقبات” وبيت الشيخ لولو وأنت راجع من “ساحة السعدية” داخل المدينة يتوقف عند أصحاب محلات سوق “خان الزيت” يجري حوارات معهم، بشكل عفوي وإنساني، عيسى، يدع المكان يتكلم يسمعك المآذن وهي تصدح وأجراس الكنائس وهي تقدح في عز النهار.

يجري حواراته مباشرة مع صديقه حسام، تتعرف من خلالهما على قلعة القدس أو كما يسميها اليهود “قلعة داوود” كان العثمانيون يتخذونها مقراً لبرلمانهم، يشرح وبلغة بسيطة وسهلة، كيف عمل اليهود على تحوير وتغيير الأسماء العربية والإسلامية ويعطيك نبذة تاريخية عن المئذنة التي بناها صلاح الدين الأيوبي وأيام العهد المملوكي.

عيسى نقلني إلى القدس، وضعني في مبانيها وتراثها، لم يترك زاوية إلا وينقلك إليها بكل ما فيها من عشق ورواية وتاريخ.

صرت أعرف القدس من وراء كاميرا عيسى وأحاديثه، يضع يده على “حجر” وهو المكان الذي وضع فيه السيد المسيح كفه بالمرحلة الخامسة من عهده..

أعطى لأحاديثه روح إبن القدس، تحدث عن الأدب، وبأدب أحضر أهم الروايات التي كتبها عرب وشعراء لم يأتوا إلى القدس، لكن عيسى يعيش بداخلها، يحن إليها، يعشقها، فإذا تكلم عنها تحدث بلغة العاشق.

 

ما أجمل الحوار الذي أجراه مع حسام عندما صار يناديه “أخو الشلَيتة” ليشرح بعدها قصة المسمى والمأخوذة من أيام حكم العثمانيين وكيف كان “السرسري” يراقب أعمال “أخو الشلَيته”.

يسأل عيسى ماذا يعني أن تكون كاتباً مقدسياً وعنده أن الانتماء إلى المكان، يضفي على النص شيئاً من الروح الخاصة، ناقلاً تفاصيل الحياة بكل ما فيها.

عيسى يحفظ القدس حجراً حجراً، وعندما تابعته بعدما قرأت مقالة عنه كتبها زميل أردني تعرفت إلى شخصيته العفوية ولهجته المحببة، كم عيسى لدينا في القدس وفلسطين؟ وكم أكرم لدينا في بيت ساحور وفلسطين؟

سأترك التعليق لمن يرغب بمتابعتهما على الفيسبوك issa issa Qawasmi , akram hilal.

* إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى