عملة اللبنانيين الجديدة في العام 2021
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
منذ قرابة ثلاث سنوات يعمل مصرف لبنان على التأسيس لعملة رقمية وإطلاقها في السوق اللبنانية. فلم يوفر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، مناسبة أو مؤتمراً اقتصادياً إلا وتطرق فيه إلى أهمية العملة الرقمية وتقدّم العمل عليها، باعتبارها الممر الآمن لانتقال الاقتصاد اللبناني من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي، ومجاراته للاقتصادات المتطورة، القائمة على تكنولوجيا المعلومات.
روّج مصرفيون وخبراء في عشرات المناسبات، لأهمية إطلاق لبنان العملة الرقمية، لما لها من تأثيرات إيجابية ليس على مستوى اقتصاد الدولة فحسب، بل أيضاً على حياة الأفراد. لا سيما لجهة تسهيل أنظمة المدفوعات. أما مصرف لبنان فعمل جاهداً على إنجاز الأرضية اللازمة للعملة الرقمية، خصوصاً بعد إقرار مجلس النواب منذ قرابة العامين قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، الذي مُنح مصرف لبنان المركزي بموجبه صلاحيات تحديد ماهية النقود الإلكترونية والرقمية، وكيفية إصدارها واستعمالها والتقنيات والأنظمة التي ترعاها.
ولأن العملة الرقمية اللبنانية المنتظر إطلاقها تختلف تماماً عن العملات الرقمية المتداولة في بعض دول العالم مثل بيتكوين، إذ أن الأخيرة وتوابعها تُعتبر بنظر الحكومات مجرّد سلعة لا عملة. أما العملة الرقمية فترتبط باقتصاد البلد وتشحن قوتها من قوة الاقتصاد. وعليه، لا بد من السؤال أي اقتصاد سيدعم العملة الرقمية في لبنان؟ وكيف سيدافع عنها مصرف لبنان؟
هدف العملة الرقمية
اليوم مع حال الانهيار الاقتصادي الحاصل، وبلوغ الأزمتين المالية والنقدية مرحلة خطرة، بات التوجه إلى إطلاق العملة الرقمية أكثر إلحاحاً، وفق مصرفيين. لكن لغايات تختلف عن تلك المُستهدفة في دول سبق لها تجارب رسمية مع العملة الرقمية. ففي لبنان ستشكّل العملة الرقمية واحدة من آليات امتصاص الكتلة النقدية من الدولار المحلي. وفي ظل العجز عن توفير الدولار النقدي الحقيقي، ونظراً لضرورة الحفاظ على أموال المودعين ومدخراتهم، يتجه مصرف لبنان لإطلاق عملة رقمية، كجزء من سلة حلول تستهدف تذويب الدولار المحلي جزئياً أو كلياً وعلى مدى طويل، ذلك عبر استهلاكه في الداخل بالليرة اللبنانية، بمعنى ان التعامل بالليرة عبر الشيكات أو النقدي أو الرقمي (ديجيتال) يستهدف بشكل أساسي تذويب الكتلة النقدية من الدولار المحلي.
ويرى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، الدكتور سمير حمّود، في حديثه إلى “المدن”، أن إطلاق العملة الرقمية اليوم بات ملحاً وأكثر من ضرورة وحاجة. فلا يمكن أن تبدأ أي حلول، وفق حمود، من دون لحظ عملية تذويب الكتلة النقدية، بما يوفّر للناس إمكانات لاستعمالات متعددة، “وهنا يمكن اقتراح العديد من الوسائل. لكنها تحتاج إلى الحد الأدنى من الاستقرار. وعلى الجميع أن يفهم أن هذه الكتلة النقدية يجب تذويبها واستعمالها في الاقتصاد الداخلي، من خلال حرفها أو حتى تسليفها. والعملة الرقمية اليوم من الأدوات الجديدة التي ستساهم في تذويب الكتلة النقدية، شرط أن يتم ذلك بشكل بطيء لضمان عدم ضياع ادخارات الناس، إلى أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه الاقتصاد بفائض بالعملة الاجنبية”.
الحل باستعادة الثقة
يتحدّث البعض عن ضرورة أن يقابل العملة الرقمية، المرتقب إطلاقها قريباً، احتياطات أجنبية او نشاط اقتصادي محدّد. لكن وفق حمّود، لا ضرورة تقنياً لأن يقابل العملة الرقمية حجم اقتصاد معين أو احتياطات اجنبية. فهي عملة وطنية رقمية خاضعة لسلطة مصرف لبنان، وهو مَن سيُصدرها. ويجب أن تكون محدودة وبالليرة اللبنانية. فهي ليست عملة خارجية. وهي إحدى توجهات الحلول. إذ يجب أن نلجأ إلى تقنيات الدفع الرقمي، وإن كان ذلك يستلزم استعادة الثقة ولو جزئياً.
أما فقدان الثقة بالقطاع المصرفي عموماً، فذلك يجعل من أي حلول أمراً غير كاف للعبور بالقطاع المصرفي إلى برّ الأمان. فالمعالجات الجذرية تبدأ من العمل على استعادة الثقة. وهذا الأمر يستلزم مساراً طويلاً، مع اتخاذ اجراءات متعدّدة وطويلة الأمد. وكل ذلك يبدأ من الحوار السياسي الجدّي والمسؤول. وهو ما تفتقده الساحة السياسية اليوم. ومن دون ذلك، لا استعادة للثقة ولا حلول نهائية للأزمة النقدية والمصرفية: “ومهما فعلنا، سواء أعدنا رسملة المصارف أو اعتمدنا أي حلول أخرى، فإنها من دون استعادة الثقة لن تصل إلى الأهداف المرجوة. وذلك يبدأ بهيكلة سياسية صحيحة” يقول حمّود. ولن يكون هناك حلول إلا بقوانين وإجراءات وتعاميم ونُظم تؤدي إلى حسن استعمال الكتلة النقدية بالدولار المحلي، مع تجنّب خسارة الناس القيمة الشرائية لادخاراتها. فهي سبق أن خسرت القيمة الشرائية للدولار المحلي. لكن لا يجب أن تصل خسائرها إلى مستويات عالية كما هو الحال في تجارة الشيكات.
عملة محلية
العملة الرقمية اللبنانية سيكون مصدرها الوحيد مصرف لبنان واستعمالها محلياً حصراً، ومن المرتقب أن يتم وضع سقوف لاستعمالاتها ولحجمها في السوق. لكن لا العملة الرقمية ولا سواها من الإجراءات ستشكّل مدخلاً ثابتاً لصوغ الحلول للأزمة المالية والنقدية، ما لم نتمكن من استعادة الثقة. وذلك لا يتم من دون استقرار سياسي. أما ما يحصل اليوم على أرض الواقع، من إمعان في تناتش الأحزاب والطوائف للحصص والحقائب الوزارية، فلا يمكن أن يساهم باستعادة الثقة. والنتيجة أن العملة الرقمية المنتظرة قد يكون مصيرها كمصير العملة الوطنية النقدية في ظل غياب عامل الثقة.