بعدما نجح باسيل في “معمودية نار” “حزب الله”… إتفاق “مار مخايل” جديد* اندريه قصاص

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

بعد أربع عشرة سنة على توقيعه من قبل “التيار الوطني الحر”، ممثلًا بالعماد ميشال عون، و”حزب الله” ممثلًا بأمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي توافق في التوصيف بينه وبين رئيس “التيار” الحالي النائب جبران باسيل، من حيث إدخال بعض التعديلات عليه وجعله أقرب إلى الواقع بينما كانت صيغته الأولى تقتصر على الشعارات فقط، وهي لم تطبق بالكامل.

فالسيد نصرالله، الذي شرح في إطلالته الأخيرة، معنى تفاهم “مار مخايل”، وقال: “انه يحتاج الى مناقشات جديدة ومعالجات، ومن الأكيد أننا سنقوم بهذه المراجعات، والرد على العقوبات الاميركية ستكون بتطوير هذه العلاقة من دون أن يعني ذلك انها جبهة ضد أحد”.

أما باسيل، الذي “لا يمكن ان يطعن أي لبناني لصالح أجنبي، فقال: “نحنا كنّا عبّرنا سابقاً انّو البلد بدّو اصلاح حقيقي وانّو مش ماشي الحال نكفي هيك”.

وأضاف: “اتفقنا مؤخراً على انّو نجري مراجعة واعادة نظر بوثيقة التفاهم لنتفق كيف ممكن نطورها لنقدّم شي لجمهورنا وللناس المتأمّلة فينا الخير للبلد.

وأشار إلى “أننا نختلف مع “حزب الله” حول امور اساسية وعقائدية، مثل السلام بالمنطقة ووجود اسرائيل. فعلى الحزب ان يفهم ان التيار لا يملك نفس الفكر ونفس الخطاب عن “حزب الله”، وحقيقة فكرنا ان لبنان دولة مدنيّة، لا اسلاميّة ولا مسيحيّة، دولة تحبّ ان تعيش باستقرار داخلي قائم على التوافق وسلام خارجي قائم على الحقوق والعدالة والقانون الدولي.

لبنان يريد السلام لا الحرب. السلام يقوم على اساس المبادرة العربية وعلى الحقوق المتبادلة: للعرب الحق بالأرض، ولفلسطين الحق بالدولة ولاسرائيل الحق بالأمن، وهذا ما نعيشه على الحدود منذ 2006. هذا خلاف كبير، يهاجمني فيه جمهورهم على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لا يقمعني الحزب وتؤدّبني ايران بل يقولون نحترم خلافاتنا”.

فهذا التفاهم، الذي يتضمن عشرة عناوين رئيسية: الحوار، الديمقراطية التوافقية، قانون الإنتخاب، بناء الدولة، المفقودون خلال الحرب،اللبنانيون في إسرائيل، المسألة الأمنية، العلاقات اللبنانية – السورية، العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، حماية لبنان وضمان إستقلاله وسيادته لم يعد صالحًا لأيامنا هذه بإعتراف الطرفين.

فهذه العناوين وما حوته من تفاصيل بقيت في مجملها حبرًا على ورق، إذ لم يطّبق منها سوى القليل، الأمر الذي حدا بالطرفين إلى الإعتراف بضرورة إعادة النظر في مضامين هذا التفاهم، الذي قام في ظروف تختلف عمّا يعيشه لبنان اليوم من أزمات تفرض نفسها على الجميع، وتفرض طريقة مغايرة للتعاطي معها، خصوصًا أن باسيل يتطرق في مقارباته إلى قضايا تستدعي التوقف عندها، ومن أهمها وأخطرها بالنسبة إلى “حزب الله” هي العلاقة مع إسرائيل وضمان أمنها، وحتى الذهاب إلى إقامة معاهدة سلام معها بعد توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية.

فبعد أربع عشرة سنة يجد الحليفان نفسهما بالنسبة إلى العناوين العريضة، خصوصًا في المسائل الأساسية أمام طريق مسدود يُفترض إعادة البحث فيها ومراجعة ما طبق، أو ما هو قابل للتطبيق، وما لم يطبق، وهذا الأمر يستدعي ورشة عمل نشطة من أجل التوصل إلى بلورة صيغة تفاهم جديدة تقوم على أسس مغايرة عما كان عليه تفاهم “مار مخايل”، الذي فرضته المصلحة المشتركة بين الفريقين لمواجهة ما يمكن مواجهته معًا، في السراء والضراء.

وتؤكد أوساط الحزب أن ثمة مرحلة جدیدة من التعاطي والعلاقة مع باسیل قد تمّ تدشينها بعد فرضية العقوبات عليه وموقفه منها. وھذه النتیجة ھي الأھم لأنھا تعني أن “حزب الله” قرر من الآن فصاعدا أن باسیل صار بالنسبة إلیه خطًا أحمر ومن الثوابت، بعدما نجح في الإمتحان، واجتاز “معمودیة النار” التي تمثلت في العقوبات الأمیركیة وما سبقھا من مفاضلة وخیار بین الولایات المتحدة و”حزب الله”. وھذا یعني إستطرادا أن الحزب الذي كان یفصل دائما في موقفه وتعاطیه بین عون وباسیل، فیعطي كل ثقته للأول ویبقي على قدر من الحذر تجاه الثاني، ویعتبر أن ما كان يصّح مع عون لا یصّح مع باسیل ولا ینطبق علیه، یتحول من الآن فصاعدا الى التعاطي المستقل مع باسیل “في حد ذاته” كامتداد لعون ولكن بمعزل عنه، و ّقرر أن یكمل مع باسیل ما كان بدأه مع عون قبل ١٤ عاما، ومع “تفاھم جدید” یعّدل تفاھم مار مخایل ویأخذ في الإعتبار المتغیّرات الكبیرة والكثیرة التي طرأت منذ ذلك الحین.

في المحصلة النهائية يمكن القول إن خطاب نصرالله ّشكل نقطة تحّول في العلاقة بین الحزب والتیار، التي ازدادت بعد العقوبات الأمیركیة رسوخا و”التحاما”، وأن “حزب الله” طوى عملیا صفحة “العماد عون” لیفتح صفحة “الوزیر باسيل”، ولتأسيس إتفاق جديد قائم على الواقعية والصراحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى