من علّمني حرفاً…* نوف قيس

النشرة الدولية –

من علمني حرفاً كنت له عبداً.. ومن علمني درساً..؟

في الحقيقة.. إنني لن أحني قامتي ولن أشكر من علمني الدرس وأعني من لقنني درسا قاسيا، فقد مررت بهذه التجربة كمن يعبر إلى الضفة الأخرى عبر نصل سيف كاد أن يقطعني لجزأين وأشعر أحيانا أنه قد فعل.

أشعر بأنني اجتزت التجربة وتعلمت الدرس وأتقنت النهاية ونزع الأقنعة ودفعت الثمن كاملا، وكل ما تبقى مني أوصال وحده الله يعلم كيف سأرتقها، كيف ستخاط بخيوط من حديد لن تهترئ ثانية ولن تتآكل من صدأ؟!

وحده الله سيجبرها ويلحمها ويلبسها رداء أمل بأن ما مضى مضى، وأن القادم لابد أن يكون أجمل، وحده سيمنحك الأصدقاء الذين يعبرون معك الضفاف ويمسحون على جروحك ويسندوك، لنقف في النهاية مع الجموع على المسرح – بافتراض أن الحياة مسرح كبير – ننال تصفيق الجمهور راسمين على وجوهنا ابتسامة يراها البعض انتصارا ويراها الآخرون كافية حتى إسدال الستارة.

أحسد في هذه اللحظة مهرجي السيرك، حيث لا نرى منهم سوى ابتسامتهم حتى لو اغرورقت أعينهم بالدموع، المهرج مبتهج ويبهجك بالمقابل ويهيئ لك أن السعادة تكمن في زهرة يخرجها من العدم يمنحنا بذلك جانبنا من القصة دون أن يروي جانبه من القصة.

قال لي أحدهم: خذها نصيحة من شخص حمل على عاتقه همه وشقاءه وفرحته أيضا وابتسامته التي يدسها دساً بين أسمال ثيابه أربعين عاما دون أن يخبره أحد ماذا سيفعل بها: «إن الفوز – في أي شيء – ينهش منك جزءا لا يعود منه شيء إلى الأبد، لذا اختر معاركك».. والمعارك بالحياة جمة، إن الواحد منا صار يشير إلى حاله بأنه في معترك الحياة.. وهو يبتسم.

من قادني للدرس يعلم أني قد مررت بهذه التجربة دون خيار مني، لا أحد يرمي بنفسه إلى هاوية ولا أحد يرى الخيار الأسلم ويختار الأصعب، ما قصدت هنا بالتهاون أو الكسل لكن كان يجب أن يخبروك ماذا تنتظر وماذا ستدفع لتنال الحياة كاملة وما هو ثمن أحلامك؟

من حق أي شخص تدعوه لتجربة أن يقبل بخوضها أو أن يتنازل ويعود أدراجه.. أن يوقف ما يؤذيه، لكن في الحياة أحيانا يجب أن تقبل بالثمن أو تكون شخصا آخر ليس أنت أو لا يشبهك.. لكن إياك أن تقبل بثمن يجترك الى أقاصي حدود الانتقام حتى لا يقتطع منك نصله شيئا متى ما اقتطع منه هو الآخر شيئا، فالانتقام حرب متبادلة لا تنتهي.

أشكر الصبر واليقين، أشكر الإيمان بالله الذي أحاطك في كل لحظة شعرت باليأس وبأن النهايات الوشيكة أصبحت منالا بعيدا، أنا أشكر نفسي أيضا – الأعجوبة – تلك التي صفعتني لأصحو ومن ضلوعي صنعت لي العكازة التي أريد، وركضت بي خمسين ميلا نحوي وأتت بي لتنقذني، أشكر من قبل بأن يسير معي بهذا الدرب، يسّر لي إياه ولو بابتسامة أو بكلمة تقوي من إيماني وعزمي، تريني الأبواب حتى لو لم تفتحها.

نقلاً عن جريدة “الأنباء” الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button