هل يحصل انتقال سلس للسلطة في واشنطن؟ * عمران سلمان
النشرة الدولية –
بعد أسابيع وأشهر من الترقب والقلق الذي رافق حملة الانتخابات الرئاسية، يتطلع الأميركيون إلى العودة مجددا إلى الحياة الطبيعية وترك الحديث عن الانتخابات وراءهم. لكن ذلك لن يحدث إلا بعد أن يستنفد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب جميع محاولاته، التي لا طائل من ورائها، لتغيير نتيجة الانتخابات، ويقر بهزيمته ويسلم السلطة بشكل متحضر إلى جو بايدن. وكلما حدث ذلك أسرع كلما كان أفضل.
هذا الكلام لا أقوله أنا فقط، بل يقوله أكثر من نصف الشعب الأميركي، بمن في ذلك العديد من العقلاء في أوساط الحزب الجمهوري ممن يقدمون مصالح البلاد والعباد على مصالحهم الشخصية، مثل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية يوتا ميت رومني وكذلك الرئيس الأسبق جورج بوش وغيرهم.
بالطبع، سوف يظل هناك من يعتقد بأن الانتخابات زورت أو سرقت وما شابه، ولا يوجد شيء في الكون يستطيع أن يقنع هؤلاء بخلاف ذلك. فحتى الآن ثمة من لا يزال يعتقد بأن فوز الرئيس أوباما جاء نتيجة التزوير!
هؤلاء سوف يواصلون تعبئة الفضاء الإلكتروني والإعلامي بشتى أنواع القصص ونظريات المؤامرة وسوف يتحدثون عن صناديق اقتراع جرى اخفاؤها وعن بطاقات اقتراع تم حرقها وعن أموات شاركوا في الاقتراع.. الخ. ورغم أن مسؤولي الانتخابات في العديد من الولايات المستهدفة، وبينهم جمهوريون وديمقراطيون، سعوا لتفنيد هذه الشائعات وتوضيح ما غمض منها، بما في ذلك حقيقة أن التغير الذي حدث في نتيجة التصويت جاء بسبب أولويات الفرز في بعض الولايات، التي تبدأ أولا بفرز أصوات يوم الانتخاب ثم تليها بطاقات التصويت المبكر (سواء الشخصي أو عبر البريد)، أو العكس.
كل ذلك سوف يستمر معنا في الأشهر والسنوات القادمة ولا بأس في ذلك.
لكن هناك فرق بطبيعة الحال بين الشكوى من وقوع مخالفات انتخابية أو ارتكاب أخطاء في بعض الدوائر وبين التشكيك في النظام الانتخابي أو في العملية الديمقراطية. الشكاوى والطعون هي أمور طبيعية وهي تحدث في أي بلد تجري فيه انتخابات ولها طريق معروف وهو المحاكم. أما الحديث عن تزوير وسرقة الانتخابات فهذه ترقى إلى محاولة التشكيك في العملية الديمقراطية برمتها، والإيحاء بفساد جميع المسؤولين عن العملية الانتخابية. وهي من الخطورة بمكان أنها لا تعرّض فقط السلم الأهلي للخطر، وإنما تشوه أيضا صورة الولايات المتحدة وتخدم الأنظمة الديكتاتورية حول العالم.
وما يزيد الطين بله في مثل هذه التصرفات غير المسؤولة هي أنها تخلق مشكلة في الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد والتعامل معه، من جانب الأميركيين الذين صوتوا لصالح ترامب، ما يعني إدامة الانقسامات والاستقطاب السياسي الحاد في المجتمع الأميركي. وهو استقطاب أهدر في السابق الكثير من الفرص لمعالجة القضايا الملحة التي تشغل اهتمام المواطن الأميركي. وهو يهدد اليوم التعاون المطلوب من جميع الاميركيين لمواجهة وباء كورونا واستعادة الاقتصاد لعافيته.
كثيرون يأملون هنا بأن يخرج الجمهوريون وخاصة في الكونغرس عن صمتهم ويسعون إلى إقناع ترامب بالاعتراف بالهزيمة والتعاون مع الرئيس الجديد لإنجاح الفترة الانتقالية. خاصة أن أسماء النواب الجمهوريين (وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ) الفائزين في الانتخابات، كانت هي الأخرى على نفس بطاقات الاقتراع، التي يجري الحديث عن تزويرها، إذ لو كان ذلك صحيحا فكيف تمكنوا إذا من الفوز وانتزاع عدد من المقاعد من الديمقراطيين!
لا شك أن كثيرا من النواب الجمهوريين يقرون بفوز بادين، لكن المشكلة هي أنهم لا يستطيعون التصريح بذلك علنا، لأن سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري بلغت درجة مخيفة وهي ترعب كل من يخالفه أو يحاول الخروج على خطه. وهناك شائعات في واشنطن بأن ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض ربما يسعى إلى إحكام نفوذه على الحزب الجمهوري، وربما يسعى إلى إنشاء جناح خاص به داخل الحزب، على غرار “تي بارتي” مدعوم بوسائل إعلام ينشئها خصيصا لهذا الغرض.
بقاء ترامب في سماء الحزب الجمهوري يعني أنه لا أمل قريب في إصلاح هذا الحزب أو توقع منه الالتقاء في منتصف الطريق مع الديمقراطيين والوصول لحلول وسط بشأن مجمل القضايا الكبيرة التي تهم البلاد. الأرجح أننا سوف نشهد المزيد من الانقسامات والاستقطاب والصراعات الحزبية، أكثر بكثير مما شهدناه في الفترات الماضية. ولن تجد للأسف رسائل التصالح والسلام التي يبعث بها بايدن أي آذان صاغية.