العملة الرقمية… باب للحل أم خدعة مصرفية لبنانية؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – هتاف دهام –

لم تكن العملة الرقمية محطّ إهتمام سياسي واقتصادي واعلامي كما هي اليوم رغم من أن هذا المشروع ليس بجديد وكان من المفروض أن يُبصر النور في العام 2018، لكن مرد هذا الاهتمام  مرتبط بتردّي الأوضاع الإقتصادية والمالية وفي ظلّ تآكل القيمة الشرائية لليرة اللبنانية.

لكن كيف يمكن لعملة رقمية، أي تواجدها فقط في العالم الإفتراضي، أن تنتزع من الأسواق ثقة عجزت الليرة اللبنانية عن إنتزاعها؟

يقول أستاذ الإقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفسور جاسم عجاقة  لـ “لبنان24” إن “العملة الرقمية هي حلم الحكومات نظرا للفوائد الناتجة عن التعامل بها وعلى رأسها: لجم النقد وبالتالي التضخّم، مكافحة التهرّب الضريبي وتبييض الأموال، تخطّي استخدام العملة الصعبة في التعاملات الداخلية، قياس الاقتصاد بدقّة أكبر، زيادة الثقة بالإقتصاد في فترة الأزمات، وخفض الكلفة على المستخدم (أقل بـ ٦ مرات من النقد)، فضلا عن أنها تقلّل من وقت المقاصة بحكم أنها تتمّ مباشرة بين المصارف، وبالتالي هناك محاولة مستمرّة من قبل المسؤولين في الدول لتحويل الاقتصاد من اقتصاد يعتمد الدفع نقدا في التعاملات التجارية إلى اقتصاد يعتمد على الدفع بالعملة الرقمية”.

والجدير ذكره أن حجم التداول العالمي بالعملات الرقمية في العالم تخطّى حاجز التريليون دولار أميركي (أي ألف مليار دولار أميركي) مدفوعاً بعملات رقمية مثل البتكوين وغيرها.

لكن كيف لمصرف لبنان الذي فقد السيطرة على الليرة في السوق السوداء أن يفرض الثقة بالتعامل بعملة رقمية لا نعرف حتى معالمها؟

يقول عجاقة على هذا الصعيد، “من الواضح أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يعط تفاصيل كافية عن هذه العملة، لكن إذا ما بالاستناد إلى المعلومات المتوافرة منذ العام 2018، يمكن القول إن هذه العملة الرقمية هي عبارة عن حساب يفتحه المصرف ويُغذيه العميل، باختياره، من حسابه بالليرة اللبنانية بمعدّل كريبتوليرة لكل ليرة لبنانية. ويستخدم العميل التطبيق على هاتفه الذكي أو على الإنترنت (للشراء عن بعد) لدفع قيمة العملية مما يوفّر عليه التدوير مع مزيد من الأمان”. ويُضيف عجاقة “أهمية هذه الآلية تكمن في الطابع الاختياري للمواطن ولكن أيضًا دفع مبالغ صغيرة جدًا، خفض كلفة العملية مقارنة بالنقد الذي يتحمّله المواطن على شكل ضريبة مخفية من خلال طبع العملة، وسهولة عمليات الدفع عن بعد مقارنة بالوسائل الالكترونية الأخرى. إلا أن هذا الأمر لا يعني أنه يتمّ إلغاء كل وسائل الدفع الأخرى، بل على العكس لها طابع اختياري (استنادًا إلى معلومات العام 2018) وتتمتّع بأمان في حال تمّت سرقة الهاتف ولكن الأهم تبقى عودة المودعين إلى التعامل مع المصارف في التعاملات التجارية”.

وبالنظر إلى حالة الإقتصاد في لبنان، يُطرح السؤال عن مدى قدرة هذه العملة الرقمية على حماية الإقتصاد من خروج العملات الصعبة؟ وهنا يقول عجاقة “إن الهدف الأساسي للمواطن من سحب الليرات هو تحويلها إلى دولارات في السوق السوداء. وهذا الأمر له مفعول سلبي على الليرة اللبنانية ويفقدها من قيمتها نظرًا لطابع المضاربة الذي تتميّز به هذه العملية. وبالتالي مع استخدام الليرة الرقمية، سيكون الطلب على الدولار أقل إذا ما تمّ وضع سقف للسحوبات النقدية من خلال قانون الكابيتال كنترول المطروح في المجلس النيابي مع احتفاظ المواطن بحقه الكامل بالتصرّف بأمواله من خلال العملة الرقمية أو وسائل الدفع الإلكترونية الأخرى”.

وعن الخشية من معاقبة المواطن من خلال خفض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، يقول عجاقة “هذا التحدّي هو تحدّي أساسي للحكومة حيث أن العملة تعكس قوة الاقتصاد. وحتى يومنا هذا، لم يكن الاقتصاد ما أعطى الليرة قيمتها، بل الاحتياطات من العملات الأجنبية التي راكمها مصرف لبنان”.

لكن هل من مخاوف من تحويل دولارات المودعين إلى عملة رقمية؟ يردّ عجاقة بالقول “في الطرح الأساسي لمشروع هذه العملة، لم يكن هذا الأمر موجود، كما أن العامل الإجباري يجب أن ينبع من المجلس النيابي. لذا نستبعد مثل هذا الطابع الإجباري”.

وماذا عن خصوصية المواطن؟ “خصوصية المواطن محفوظة بالتشفير الذي يتمّ إستخدامه في بروتوكول التواصل على الصعيد الإلكتروني وما يسري من سرّية على وسائل الدفع الأخرى، يسري على هذه العملة الرقمية” يُردف عجاقة.

وعن الفرق بين العملة الرقمية التي سيصدرها مصرف لبنان والبتكوين، يقول “البتكوين هي عملة من دون أي أساس اقتصادي وسعرها يُحدّد بالعرض والطلب، أما الكريبتوليرة فهي مدعومة من المصرف المركزي ومن الاقتصاد اللبناني. وبالتالي الفارق أساسي على صعيد المخاطر”.

وهل هناك من روابط بين الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وإصدار هذه العملة الرقمية؟ “الإحتمال مُمكن” يقول عجاقة، “لكن يتوجّب معرفة أن باب التهرّب الضريبي هو الباب الإصلاحي الأول إذا ما تمّ سن قوانين في المجلس النيابي على هذا الصعيد”.

إذا،  العملة الرقمية ورغم فوائدها،  فإنها ستواجه معارضة من قبل العديد من اللاعبين الإقتصاديين نظرًا للطابع الرقابي الذي تتميّز به، مع ترجيحات ببدء الهجوم على هذه العملة مما قدّ يؤدّي إلى فشل إطلاقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى