50 سنة من حكم عائلة الأسد “لا طريقة لحكم سوريا إلا بوطء الرؤوس”* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

يقول رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حين كان يستعد ليخلف والده حافظ الأسد الذي حكم سوريا بنظام بوليسي منذ عام 1970، إنه “لا توجد طريقة أخرى لحكم مجتمعنا إلا بوطء رؤوس الناس بالحذاء”، كما ذكر سام داغر، الذي عمل مراسلاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” من دمشق لسنوات.

أتى هذا الكلام بعد مرور عام على حادثة وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي قضى في حادث سيارة عام 1994. وخلال هذا الوقت كان العمل يجري على شخصية الطبيب الشاب البالغ من العمر 30 عاماً حينها، كي يبدو بمظهر “مختلف” عن والده وأخويه، باسل وماهر، القادمين من المدرسة الحربية. وصادف يوم الخميس 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، ذكرى مرور 50 عاماً على حكم عائلة الأسد لسوريا، والبلاد في حالة من الدمار والشتات، جراء حرب أهلية أسفرت عن مقتل نصف مليون شخص تقريباً، وتشريد أكثر من 6.5 مليون لاجئ حول العالم، وقضت على الاقتصاد السوري بشكل شبه كامل.

“بشار لم يكن حداثياً بل حدث الدولة البوليسية”

قبل تسلمه الرئاسة، تطلع المجتمع الدولي عموماً، والسوريون خصوصاً، إلى طبيب العيون بشار، الذي عاش في لندن، وتأملوا أن يكون قد تشرب عقلية الحداثة الغربية، أو على الأقل أن يكون بعيداً عن ديكتاتورية والده، وهو ما أتقن إظهاره بدايةً، فعاشت سوريا فترةً استطاع خلالها المواطنون أن يتصرفوا بحرية نسبية، وأن يكتبوا ويعبروا بطريقة أكثر ديمقراطية.

وقالت الصحافية الألمانية، كريستين هيلبرغ، التي عاشت بين عامي 2001 و2008 في العاصمة السورية، دمشق، وكتبت كتباً عدة عن سوريا تحت حكم الأسد، إن “صورة حامل الأمل استندت إلى سوء فهم، فافترض عديد من السوريين والسياسيين الغربيين أيضاً أن أي شخص مهتم بالحاسب الآلي والإنترنت، وتلقى تعليمه في إنجلترا سيصلح لحكم تلك البلاد”.

وأضافت “في الواقع، لم يكن بشار مصلحاً، فلم يكن راغباً أو قادراً على التخلي عن السلطة أو تغيير هيكل حكم والده بشكل جذري. لقد كان، ولا يزال، طفلاً في دولة بوليسية عمرها 50 عاماً، تقاد بشكل مستبد على كل المستويات وتستغل من قبل عشيرة حاكمة عديمة الضمير، حتى ولو كان مظهره لا يشبه مظهر ديكتاتور فج”.

أسماء الأسد أو “وجه الديكتاتورية الجميل”

 

يتحدث فيلم وثائقي بعنوان “أسماء الأسد… وجه الديكتاتورية الجميل” عن دور زوجة بشار الأسد في صناعة بروباغندا النظام وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي، ويعطي صورةً حول طبيعة الحياة في سوريا منذ وفاة حافظ الأسد في عام 2000 بعد ثلاثة عقود من الحكم الديكتاتوري.

 

يظهر الفيلم خلال الحديث عن الصورة التي ترسمها عائلة الأسد لنفسها أمام الغرب، وتحديداً السيدة أسماء بوصفها زوجة الرئيس، أن الأخيرة اعتبرت بمثابة الفتاة “الغربية” بسبب دراستها وحياتها لسنوات طويلة في بريطانيا، حيث كانت تعرف باسم “إيما”، وكيف كانت تطمح للدراسة في جامعة “هارفارد” قبل أن تتخلى عن كل شيء “لأنها وجدت الحب… بشار”، وهو ما تقوله بنفسها في لقاءات مع وسائل إعلام غربية، يستعيدها الفيلم ليظهر كيف كانت أسماء قادرة على الحديث بلغة ومصطلحات غربية للتأثير وخلق انطباع بأن سوريا تسير نحو الديمقراطية بقيادة زوجها. وتبرز هنا تصريحات المسؤولين الأوروبيين الذين تحدثوا عن جمال وأناقة وشياكة أسماء كسيدة أولى عصرية، وكيف وقعوا في الوهم الذي كانت تمثله وصدقوها إلى حد تشبيههم لها بالأميرة ديانا.

 

ويكشف الفيلم عن دور مستشار العلاقات العامة البريطاني الشهير، السير تيموثي بيل، الذي صمم إحدى الحملات الانتخابية الناجحة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت ثاتشر، حيث التقته أسماء الأسد، وسألته كيف يمكن لها أن تصبح سيدة أولى ناجحة مثل لورا بوش (زوجة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن)، ليتجه بيل لاحقاً إلى دمشق ويصمم مكتب أسماء ودورها الذي لعبته بمهارة، واصفاً إياها بأنها كانت حينها “زبونة جيدة وتدفع بانتظام وتعمل بشكل لطيف من أجل الخير”، قبل أن يكتشف أن كل ذلك كان مزيفاً، حيث كان يشعر بأنه مراقب بشكل دائم، كما عبر لاحقاً، وخصوصاً خلال لقاءاته مع أسماء في قصورها في دمشق، لأن النظام كان حريصاً على ألا تخرج أسماء عن النص المكتوب لها وألا تلعب دوراً مختلفاً عما يجب عليها القيام به. كما يلفت الفيلم إلى أن الغرب وأوروبا يتحملون قسماً كبيراً من المسؤولية في صناعة ذلك الوهم الدعائي الأسدي وتصديقه، ليس فحسب من ناحية التعليم الذي تلقته أسماء في أوروبا، بل من ناحية التقارب السياسي الاقتصادي الذي قام به القادة الأوروبيون تجاه سوريا بوصفها شريكاً مثالياً ضد الإرهاب، من دون الضغط بشأن حفظ الحريات المدنية والسياسية وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، حيث كان السياسييون الأوروبيون الذين يزورون دمشق يسمعون بالانتهاكات، ولا يرونها فعلاً، لأنهم اختاروا ذلك فقط.

الخراب يسيطر بعد 50 عاماً من حكم عائلة الأسد

 

وفي تقرير نشرته شبكة “أي بي سي” (ABC) الأميركية بتاريخ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ويتحدث عن حكم عائلة الأسد، وكيف استولى حافظ الأسد على الحكم عبر انقلاب غير دموي في 13 نوفمبر 1970، إثر سلسلة متوالية من عمليات الاستيلاء العسكرية على السلطة منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1946. ولم يكن هناك سبب للاعتقاد أن هذه العملية ستكون الأخيرة، لكن بعد مرور 50 عاماً، لا تزال عائلة الأسد تحكم سوريا.

ويصف التقرير حكم بشار بالـ”مختلف” عن حكم والده في بعض النواحي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه أمضى نصف فترة حكمه في الحرب، معتمداً على حلفاء مثل إيران وروسيا بدلاً من إبراز القومية العربية، وعلى نظام الكليبتوقراطية الفاسد (حكم اللصوص) بدلاً من الاشتراكية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك يستخدم بشار الأدوات ذاتها: القمع، ورفض التسوية، وإراقة الدماء بوحشية. ويرقد البلد في حالة خراب حالياً جراء عقد من الحرب الأهلية، فقد على أثرها النظام السيطرة على مناطق بأكملها، لكن بشار الأسد، لا يزال يحتفظ بقبضة لا تتزعزع على ما تبقى منها. وعلى غرار عائلة كاسترو في كوبا، وأسرة كيم في كوريا الشمالية، ربط آل الأسد اسمهم ببلدهم على النحو الذي استطاعه عدد قليل من الحكام غير الملكيين.

الوحشية والتدمير الذاتي

 

عرض تقرير “أي بي سي” مداخلة للباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) نيل كويليام، الذي قال “ليس هناك شك في أن الأعوام الخمسين من حكم عائلة الأسد، التي اتسمت بالوحشية والقسوة والتدمير الذاتي، تركت الدولة في حالة لا يمكن وصفها إلا بالانكسار، وكادت تتوارى في طي النسيان”.

ويشرح التقرير كيف عزز حافظ الأسد سلطته بعد استيلائه على الحكم في عام 1970؛ إذ “وضع أشخاصاً من طائفته العلوية في مناصب رئيسة، وأسس دولة بوليسية تخضع لحزب واحد على النمط السوفياتي، وكانت قوته مطلقة، وكان ضباط الاستخبارات في كل مكان”.

وفي عام 1981، وخلال الحرب بين العراق وإيران، وقف الأسد الأب إلى جانب الإيرانيين ضد دعم العالم العربي الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ليبدأ تحالفاً من شأنه أن يساعد على إنقاذ ابنه لاحقاً، لكنه دعم من بعدها التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت بعد غزو صدام حسين عام 1990.

يقول الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي التقى الأسد مرات عدة، في مذكراته “لقد كان رجلاً وحشياً، لكنه ذكي، قضى ذات مرة على قرية بكاملها ليقدم درساً لخصومه”، في إشارة منه إلى مذبحة عام 1982 في حماة عندما قتلت قوات الأسد الآلاف لسحق انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين هناك. وتعد تلك المذبحة واحدةً من أسوأ المذابح في تاريخ الشرق الأوسط الحديث؛ إذ خلفت كراهية أشعلت نيران انتفاضة أخرى ضد ابنه بعد سنوات.

في كتابه “الأسد أو نحرق البلد… كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا؟” يقول سام داغر إن “العنصر الأساسي لبقاء نظام الأسد هو عدم التساهل داخلياً، واستغلال التحولات الجيوسياسية إقليمياً وعالمياً، وكسب الوقت حتى يستسلم الأعداء”.

بشار أضاع فرصاً كثيرة

 

استعان بشار بكثير من قواعد اللعبة هذه بعد وفاة والده في عام 2000، لكن النقاد يقولون إنه على عكس والده، أضاع الفرصة تلو الأخرى، وتمادى في كثير من تصرفاته. ولقي في البداية ترحيباً باعتباره إصلاحياً ومحدثاً؛ إذ جعل سوريا مفتوحة، وسمح بالمناقشات السياسية، لكن سرعان ما تراجع مع مواجهة تحديات وعالم سريع التغير، بدءاً من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة. وعارض الحرب التي شنها الأميركيون على العراق في عام 2003، خشية أن يكون هو التالي، وسمح لمقاتلين أجانب بدخول العراق من أراضيه، ما أجج التمرد ضد الوجود الأميركي، وأثار غضب واشنطن.

أجبر على إنهاء الهيمنة السورية الطويلة على لبنان بعد أن اتهمت دمشق باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وعلى الرغم من ذلك، قام بتقوية العلاقات مع حزب الله اللبناني.

وكوالده، منح بشار الأسد أفراد عائلته من الجيل الأصغر والأكثر حداثة المناصب العليا لتعزيز سلطته، لكن ينظر إليه عديد من السوريين على أنه أكثر جشعاً في جمع الثروة.

وجاء التحدي الأكبر لعائلة الأسد مع انتفاضات “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة، ووصلت سوريا في مارس (آذار) 2011. في البداية، رد على الاحتجاجات السلمية بإطلاق العنان لقوات الأمن للقضاء عليها. وبدلاً من ذلك، نمت الاحتجاجات، وتحولت فيما بعد إلى تمرد مسلح تدعمه تركيا والولايات المتحدة ودول خليجية، في حين أصبح جيشه ممزقاً. ومع اقتراب قواته من الانهيار، فتح الأسد أراضيه للجيوش الروسية والإيرانية ووكلائهم. ودمرت المدن، واتهم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وقتل المعارضين، أو سجنهم جماعياً. وهرب الملايين إلى دول الجوار (لبنان والأردن وتركيا) وأوروبا ودول أخرى في العالم.

“أهون الشرين”

 

أصبح بشار الأسد منبوذاً، في كثير من أنحاء العالم، لكنه تمكن من تصوير الحرب ببراعة على أنها خيار بين حكمه العلماني والمتطرفين الإسلاميين، بما في ذلك تنظيم “داعش”. وأصبح كثير من السوريين، وحتى الدول الأوروبية، مقتنعين بأنه “أهون الشرين”. وفي النهاية، قضى فعلياً على التهديد العسكري ضده. ومن المؤكد أنه سيفوز بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، في القشرة الممزقة المتبقية من سوريا التي يحكمها.

تسعة رؤساء أميركيين خلال عهد عائلة الأسد

 

مع بدء ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، انتشرت تعليقات من المعارضة السورية، تسخر من بقاء عائلة الأسد في الحكم، لفترة حكم خلالها تسعة رؤساء أميركيين منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون.

وكتب زاهر سحلول، الطبيب السوري – الأميركي المقيم في شيكاغو، والذي غادر سوريا في عام 1989 “في حياتي، كان على زملائي السوريين التصويت أربع مرات للرئيس الوحيد في بطاقة الاقتراع… حافظ الأسد. ابنه لا يزال رئيساً. بعد الهجرة إلى الولايات المتحدة، قمت بالتصويت لستة رؤساء مختلفين. أتمنى أن يشهد وطني انتخابات حرة يوماً ما”. وقال نيل كويليام، إن “إرث حافظ الأسد ربما كان سيبدو مختلفاً تماماً لو لم يجبر ابنه بشار على حذو حذوه”. وأضاف “سيخيم إرث حافظ الأسد على إرث بشار، الذي سيكون مرادفاً للقسوة والتدمير المتعمد لبلد عظيم ومعاملة شعب جميل بوحشية”.

 

نقلا عن “إندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى